كانت في قوم نوح في العرب ، بعد : أما (ود) ، فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما (سواع) فكانت لهذيل ، وأما (يغوث) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، وأما (يعوق) فكانت لهمذان ، وأما (نسر) فكانت لحمير لآل ذي الكلاع : أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا. فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ، وتنسّخ العلم ، عبدت.
تنبيهات :
الأول ـ قال الرازي : في انتقالها عن قوم نوح إلى العرب. إشكال ، لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان ، فكيف بقيت تلك الأصنام ، وكيف انتقلت إلى العرب. ولا يمكن أن يقال إن نوحا عليهالسلام وضعها في السفينة وأمسكها ، لأنه عليهالسلام إنما جاء لنفيها وكسرها ، فكيف يمكن أن يقال إنه وضعها في السفينة سعيا منه في حفظها؟ انتهى كلامه.
ونحن نقول : إن جوابه بديهي ، وهو أن انتقالها إلى العرب بواسطة نقل أحوال قوم نوح وأبنائهم وعوائدهم ، على ألسنة الرحل والسّمار ، لأن سيرة القرن المتقدم في العصر المتأخر ، وسنة الخالف أن يؤرخ السالف. وجلي أن النفس أميل إلى الجهل منها إلى العلم ، لا سيما إذ زين له المنكر بصفة تميل إليها ، فتكون ألصق به. وهكذا كان بعد انقراض العلم وحملته ، أن حدث ما حدث من عبادتها ، كما أشارت إليه رواية ابن عباس عند البخاري : حتى إذا هلك أولئك ، وتنسّخ العلم ، عبدت. وعجيب من الرازيّ أن لا يجد مخرجا من سؤاله ، وهو على طرف الثّمام.
الثاني ـ قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : حكى الواقدي قال : كان (ود) على صورة رجل ، و (سواع) على صورة امرأة و (يغوث) على صورة أسد ، و (يعوق) على صورة فرس ، و (نسر) على صورة طائر. وهذا شاذ ، والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر ، وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها. انتهى.
الثالث ـ قال ابن القيّم في (إغاثة اللهفان) أول ما كاد به الشيطان عبّاد الأصنام ، من جهة العكوف على القبور ، وتصاوير أهلها ، ليتذكروهم بها ، كما قص الله سبحانه قصصهم في كتابه فقال : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ..) الآية.
ثم قال : وتلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة ، تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم : فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم