الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم ، كما تقدم عن قوم نوح عليهالسلام ، ولهذا لعن (١) النبيّ صلىاللهعليهوسلم المتخذين على القبور المساجد السرج ، ونهى عن الصلاة إلى القبور ، وسأل ربه سبحانه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد ، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدا ، وقال (٢) : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وأمر بتسوية القبور ، وطمس التماثيل ، فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله ، إما جهلا ، وإما عنادا لأهل التوحيد ، ولم يضرهم ذلك شيئا .... إلى آخر ما ذكره رحمهالله.
وقوله تعالى : (وَقَدْ أَضَلُّوا) أي : الرؤساء (كَثِيراً) ، أي خلقا كثيرا ، أو الأصنام كقوله تعالى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٦]. (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) أي خذلانا واستدراجا. وإنما دعا ذلك ليأسه من إيمانهم.
قال أبو السعود : ووضع الظاهر موضع ضميرهم ، للتسجيل عليهم بالظلم المفرط ، وتعليل الدعاء عليهم به (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) أي من أجلها (أُغْرِقُوا) أي بالطوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) أي أذيقوا به عذاب النار (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً).
قال الزمخشري : تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله ، وأنها غير قادرة على نصرهم ، وتهكم بهم ، كأنه قال فلم يجدوا لهم من دون الله آلهة ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله ، كقوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) [الأنبياء : ٤٣].
وقال الرازي : لما ثبت أنه تعالى هو القادر على كل المقدورات ، بطل القول بالوسائط.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً) (٢٨)
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الجنائز ، ٦٢ ـ باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ، حديث رقم ٢٨٥ ، عن عائشة.
وأخرجه في : الجنائز ، ٧١ ـ باب بناء المسجد على القبر ، حديث رقم ٢٨١ ، عن عائشة أيضا ،
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه في : الجنائز ، حديث رقم ٩٢ عن فضالة بن عبيد ، و ٩٣ ، عن علي بن أبي طالب.