يتجزأ ويتفرق وينقسم وينفصل بعضه من بعض. والله سبحانه هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك ، بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده واجبة لازمة ، لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه ، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه.
وقال أبو السعود. وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل من استحقاق الألوهية. وتعرية الجملة عن العاطف لأنها كالنتيجة للأولى. بيّن أولا ألوهيته عزوجل المستتبعة لكافة نعوت الكمال ، ثم أحديّته الموجبة تنزهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجه من الوجوه ، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها. ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتيّ عما سواه ، وافتقار جميع المخلوقات إليه ، في وجودها وبقائها وسائر أحوالها ، تحقيقا للحق ، وإرشادا لهم إلى سننه الواضح. ثم صرح ببعض ما يندرج فيما تقدم ، بقوله سبحانه (لَمْ يَلِدْ) نصيبا على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح. ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي. أي لم يصدر عنه ولد ، لأنه لا يجانسه شيء ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. كما نطق به قوله تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) [الأنعام : ١٠١] ، ولا يفتقر إلى ما يعينه أو يخلفه ، لاستحالة الحاجة والفناء عليه ، سبحانه. انتهى.
وقال ابن تيمية. وقد شمل ما أخبر به سبحانه من تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة ، كل أفرادها. سواء سموها حسية أو عقلية ، كما تزعمه الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها ، هل هي جواهر أو أعراض؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور والنفوس بمنزلة الإناث ، ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة. وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم ، الذين جعلوا له بنين وبنات ، قال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) [الأنعام : ١٠٠] ، وقال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الصافات : ١٥١ ـ ١٥٢] ، وكانوا يقولون : الملائكة بنات الله. كما يزعم هؤلاء أن النفوس هي الملائكة ، وهي متولدة عن الله ، فقال تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) [النحل : ٥٧] ، والآيات في هذا كثيرة.
وقوله : (وَلَمْ يُولَدْ) نفي لإحاطة النسب من جميع الجهات. فهو الأول الذي لم يتقدمه والد كان منه ، وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه. قال الإمام : قوله : (وَلَمْ يُولَدْ) يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابنا لله يكون