قال صاحب الكشاف : ولما قال ـ سبحانه ـ : الحمد لله ، ثم وصف ذاته بالإنعام بجميع النعم الدنيوية ، كان معناه : أنه المحمود على نعم الدنيا ، تقول : احمد أخاك الذي كساك وحملك ، تريد : احمده على كسوته وحملانه.
ولما قال : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) علم أنه المحمود على نعم الآخرة وهو الثواب (١).
وقال الآلوسى : والفرق بين الحمدين مع كون نعم الدنيا ونعم الآخرة بطريق التفضل ، أن الأول على نهج العبادة ، والثاني على وجه التلذذ والاغتباط وقد ورد في الخبر أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس (٢).
وقال الجمل : فإن قلت : الحمد مدح للنفس ، ومدحها مستقبح فيما بين الخلق ، فما وجه ذلك؟
فالجواب : ان هذا المدح دليل على أن حاله ـ تعالى ـ بخلاف حال الخلق ، وأنه يحسن منه ما يقبح من الخلق ، وذلك يدل على أنه ـ تعالى ـ مقدس عن أن تقاس أفعاله ، على أفعال العباد (٣).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) أى : وهو ـ تعالى ـ الذي أحكم أمور الدارين ، ودبرها بحكمته ، وهو العليم بظواهر عباده وبواطنهم ، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.
ثم فصل ـ سبحانه ـ بعض مظاهر علمه فقال : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) ، والولوج الدخول ، يقال : ولج فلان منزله ، فهو يلجه ولجا وولوجا ، إذا دخله.
أى : أنه ـ سبحانه ـ يعلم ما يلج في الأرض وما يدخل فيها من ماء نازل من السماء ، ومن جواهر دفنت في طياتها ، ومن بذور ومعادن في جوفها.
ويعلم ـ أيضا ـ (ما يَخْرُجُ مِنْها) من نبات وحبوب وكنوز ، وغير ذلك من أنواع الخيرات.
ويعلم كذلك (ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من أمطار ، وثلوج ، وبرد ، وصواعق ، وبركات ، من عنده ـ تعالى ـ لأهل الأرض.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٦٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٠٣.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٥٩.