(وَما يَعْرُجُ فِيها) أى : ويعلم ما يصعد فيها من الملائكة والأعمال الصالحة ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
وعدى العروج بفي لتضمنه معنى الاستقرار ، وهو في الأصل يعدى بإلى قال ـ تعالى ـ : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).
وقوله : (يَعْرُجُ) من العروج ، وهو الذهاب في صعود. والسماء جهة العلو مطلقا.
(وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) أى : وهو ـ سبحانه ـ صاحب الرحمة الواسعة ، والمغفرة العظيمة ، لمن يشاء من عباده.
وهذه الآية الكريمة ـ مع وجازة ألفاظها ـ تصور تصويرا بديعا معجزا ، مظاهر علم الله ـ تعالى ـ ، ولو أن أهل الأرض جميعا حاولوا إحصاء (ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها ، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) لما استطاعوا أن يصلوا إلى إحصاء بعض تلك الحشود الهائلة من خلق الله ـ تعالى ـ في أرضه أو سمائه.
ولكن هذه الحشود العجيبة في حركاتها ، وأحجامها ، وأنواعها ، وأجناسها ، وصورها ، وأحوالها .. قد أحصاها علم الله ـ تعالى ـ الذي لا يخفى عليه شيء.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله الكافرون في شأن يوم القيامة ، فقال ـ تعالى ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ).
أى : وقال الذين كفروا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، لا تأتينا الساعة بحال من الأحوال ، وإنما نحن نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ، وإذا متنا فإن الأرض تأكل أجسادنا ، ولا نعود إلى الحياة مرة أخرى.
وعبروا عن إنكارهم لها بقولهم : (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) مبالغة في نفيها نفيا كليا ، فكأنهم يقولون : لا تأتينا الساعة في حال من الأحوال ، لأننا ننكر وجودها أصلا ، فضلا عن إتيانها.
وقد أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يرد عليهم بما يؤكد وجودها وإتيانها تأكيدا قاطعا فقال : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ).
و «بلى» حرف جواب لرد النفي ، فتفيد إثبات المنفي قبلها ، ثم أكد ـ سبحانه ـ ذلك بجملة القسم.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المنكرين لإتيان الساعة : ليس الأمر كما زعمتم ، بل هي ستأتيكم بغتة ، وحق ربي الذي أوجدنى وأوجدكم.