فالجملة الكريمة قد اشتملت على جملة من المؤكدات التي تثبت أن الساعة آتية لا ريب فيها ، ومن ذلك التعبير ب (بَلى) وبالجملة القسمية.
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ؛ هذه إحدى الآيات الثلاث التي لا رابع لهن ، مما أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد ، لما أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد : فإحداهن في سورة يونس ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ؟ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ).
والثانية : هذه الآية التي معنا. والثالثة : في سورة التغابن وهي قوله ـ تعالى ـ : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ) .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) تقوية لتأكيد إتيان الساعة.
قالوا : لأن تأكيد القسم بجلائل نعوت المقسم به يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه ، وقوة إثباته ، وصحته ، لما أن ذلك في حكم الاستشهاد على الأمر (٢).
وقوله (يَعْزُبُ) بمعنى يغيب ويخفى ، وفعله من باب «قتل وضرب». يقال : عزب الشيء يعزب ـ بضم الزاى وكسرها ـ إذا غاب وبعد.
والمعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المنكرين لإتيان الساعة : كذبتم في إنكاركم وحق الله ـ تعالى ـ لتأتينكم ، والذي أخبرنى بذلك هو الله ـ تعالى ـ (عالِمِ الْغَيْبِ) أى : عالم ما غاب وخفى عن حسكم ، وهو ـ سبحانه ـ لا يغيب عن علمه مقدار أو وزن مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك المثقال ، ولا أكبر منه ، إلا وهو مثبت وكائن في علمه ـ تعالى ـ الذي لا يغيب عنه شيء ، أو في اللوح المحفوظ الذي فيه تسجل أحوال الخلائق وأقوالهم وأفعالهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (عالِمِ الْغَيْبِ) قرأه بعضهم بكسر الميم على أنه نعت لقوله (رَبِّي).
أى : قل بلى وربي عالم الغيب لتأتينكم الساعة.
وقرأه آخرون بضم الميم على أنه مبتدأ ، وخبره جملة : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) ، أو هو خبر لمبتدأ محذوف. أى : هو عالم الغيب.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٨٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٥٩.