وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) : في الكفر والشرك.
(بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ).
يقول : مثلهم إن كفروا بعد الإيمان كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضل الطريق فحيرته الشياطين [واستهوته](١) في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم يقولون : ائتنا ؛ فإنا على الطريق ، قال : فلم يأتهم ؛ فذلك مثل من تبعكم بعد المعرفة بمحمد ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم هو الذي يدعوهم إلى الطريق وهو الهدى.
ويحتمل أن يكون المثل الذي ضربه من وجه آخر ، وهو أن مثل هؤلاء كمثل من كان في بعض المفاوز (٢) والبراري (٣) ، فضل الطريق [به](٤) ، فذهب به الغيلان (٥) حتى أوقعوه في الهلكة ؛ وهو الذي تقدم ذكره.
ويشبه أن يكون قوله : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) أنه ما من أحد : من مشرك ومؤمن ، إلا وله أصحاب يدعونه : أما المؤمن : فله أصحاب من الملائكة يدعونه إلى الهدى ، والكافر : له شياطين يدعونه إلى الشرك ؛ هذا أشبه أن يحمل عليه ، لكن أهل التأويل حملوا [الآية](٦) على ما ذكرنا.
قال قتادة (٧) : هذه خصومة علمها الله محمدا [يخاصم بها](٨) أهل الشرك ؛ لأن سورة الأنعام نزل أكثرها في محاجة أهل الشرك.
قال ابن عباس (٩) ـ رضي الله عنه ـ : (اسْتَهْوَتْهُ) : أضلته.
قال أبو عوسجة (١٠) : أي : ذهبت به ، استهوته وأهوته واحد ، أي : دعته إلى الهلكة ، وقيل : أضلته.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) المفاوز : الصحاري المعجم الوسيط (فوز) (٢ / ٧٠٦).
(٣) البراري مفردها برية وهي الصحراء. ينظر : المعجم الوسيط (١ / ٤٨) (برر).
(٤) سقط في أ.
(٥) تزعم العرب أنه نوع من الشياطين تظهر للناس في الفلاة ـ الصحراء ـ فتتلوّن لهم في صور شتى وتغولهم ، أي تضللهم وتهلكهم. ينظر المعجم الوسيط (١ / ٦٦٧) (غول).
(٦) سقط في أ.
(٧) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٣٣) (١٣٤٣٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤١) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٨) في ب : يخاصمها.
(٩) أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه مطولا كما في الدر المنثور للسيوطي (٣ / ٤٠) ، وأخرجه ابن جرير (٥ / ٢٣٣) (١٣٤٢٨) عن قتادة.
(١٠) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص (١٥٥). وفي ب : ابن عباس.