قد ذكرنا أن قوله : (كُنْ) هو أوجز كلام في لسان العرب يعبر به فيفهم منه ، لا أن كان من الله كاف أو نون ، لكنه ذكر ـ والله أعلم ـ ليعلموا (١) أن ليس على الله في الإحياء والإنشاء بعد الموت مئونة ؛ كما لم يكن على الخلق في التكلم (٢) ب «كن» مئونة ، ولا يصعب عليهم ذلك ؛ فعلى ذلك ليس على الله في البعث بعد الموت مئونة ولا صعوبة.
والثاني : ذكر هذا لسرعة نفاذ البعث ؛ كقوله : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان : ٢٨] أخبر أن خلقهم وبعثهم ليس إلا كخلق نفس واحدة ، وبعث نفس واحدة ؛ وكقوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧] يخبر لسرعة نفاذ الساعة وبعثهم ، وذلك أن الرجل قد يلمح البصر وهو لا يشعر به ؛ فعلى ذلك القيامة قد تقوم وهم لا يشعرون.
والثالث : يذكر هذا ـ والله أعلم ـ أن البعث بعد الموت والإحياء إعادة ، وإعادة الشيء عندكم أهون من ابتداء إنشائه ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] أي : هو أهون عليه عندكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَوْلُهُ الْحَقُ).
يحتمل : (قَوْلُهُ الْحَقُ) ، أي : البعث بعد الموت حق على ما أخبر.
ويحتمل : (قَوْلُهُ الْحَقُ) ، أي : ذلك القول منه حق يكون كما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ الْمُلْكُ) [أي](٣) : ملك ذلك اليوم ؛ كقوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر : ١٦] ؛ وكقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الحج : ٥٦] ذكر هذا ـ والله أعلم ـ لما لا ينازعه أحد في ملك ذلك اليوم ، وقد نازعه الجبابرة في الملك في الدنيا ، وإن لم يكن لهم ملك ولا ألوهية.
ويحتمل قوله : (وَلَهُ الْمُلْكُ) ، أي : ملك جميع الملوك له في الحقيقة ؛ كقوله : (مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦].
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) : قال بعضهم : النفخ : هو الروح ، والروح من الريح ، والروح إنما تدخل بالنفخ (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢].
وقال بعضهم : لا يكون هناك (٤) في الحقيقة نفخ ، ولكن يذكر لسرعة نفاذ الساعة ؛ لأن
__________________
(١) في ب : ليعرفوا.
(٢) في ب : الكلمة.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : هنالك.