الحجج التي ألزم قومه بها أنطق بها الله ـ عزوجل ـ لسانه ليلزم حججه خلقه ، والله الموفق.
(مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : الملك في الحقيقة من الوجه الذي يكون آية للإيقان ودليلا للإحاطة بالحق.
ثم اختلف في وجه ذلك :
فمنهم من قال (١) : هو ما أرى بصره ، أعني : بصر الوجه ؛ نحو الذي ذكر من فتح السماء حتى رأى ما فيها من العجائب والآيات إلى العرش ، أو حيث قد زوى الأرض حتى رأى ما فيها من أنواع الخلق إلى الثرى ، أو حيث بلغ.
ومنهم من قال : رفع إلى السماء حتى كانت الأرض بمن فيها [له](٢) رأي العين ، وكان له ـ صلوات الله عليه ـ مثل هذا من الأمور ؛ نحو : أمر النار (٣) بالهجرة (٤) إلى حيث لا ضرع ولا زرع ، وما جعل رزقه في أصابعه ، وأمر بلوغ صوته في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) [الحج : ٢٧] [أن](٥) كان على ما سمع منه ، والله أعلم.
ومنهم من قال (٦) : هو ما أرى بصر قلبه من وجوه العبر وأنواع الأدلة عند التأمل في خلق الله بالفكر من غير أن كان في الخلق تغير على الأحوال التي كانت عليه ، وهو أحق من يكون له في الذي كان كفاية عن حدوث أحوال تدل إذ هي حجج الله يستدل على قومه ، من الوجه الذي جعل لجميع الخلق ، لا من جهة خصوص آيات ؛ فثبت أن ذلك كان له بهذا الوجه.
ثم هو يخرج على وجوه ؛ منها : ما رأى من تسخير القمر والشمس والنجوم ، وقطعها في كل يوم وليلة أطراف السماء والأرض جميعا ، ومسيرها (٧) تحت الأرض إلى أن يعود (٨) كل إلى مطلعه ، يسير (٩) كل ذلك ما فوق الأرض إلى السماء ، واستواء أحوال ذلك على ما عليه حد في كل عام وشهر ، لا يزداد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر ، مع
__________________
(١) ينظر تفسير الخازن (٢ / ٣٩٨) ، والبحر المحيط لأبي حيان (٤ / ١٧٠).
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : الناس.
(٤) في ب : والهجرة.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر تفسير الخازن (٢ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩).
(٧) في ب : وسيرها.
(٨) في ب : تعود.
(٩) في ب : تسير.