قوم كانوا يعظمون النجوم ، وبالعلم بأمرها أخبروا نمرود بولادة من يهلك على يده هو ويزول ملكه ، وهذا كما ذكر أنه نظر [نظرة](١) في النجوم في مقاييسها وعلمها ؛ لا أنه نظر إليها ، ثم قال الذي ذكر لا من حيث علم النجوم ، ولكن من حيث علمه أنه يموت ومن يمت يسقم ، لكن أراهم الموافقة في العلم الذي لهم في ذلك الباب دعوى ؛ فكذلك ما نحن فيه.
وعلى ذلك أمر الند الذي كان يعبده قوم عظّمه الحواريّ الذي أرسل إليهم ، حتى اطمأنوا إليه وصدروا (٢) عن تدبيره وبلوا بعد ، وكاد يحيط بهم ، فدعاهم إلى دعاء الند ليكشف لهم ؛ إذ لمثله يعبد حتى أيسوا ، فدعاهم إلى الله فكشف عنهم ، فآمنوا به ، فمثله الأول.
وإلى هذا التأويل يذهب القتبي ، لكنه ذكر أنهم كانوا أصحاب نجوم وكهانة (٣) ، ومن ذلك قوله لا يعبد النجم ولا يراه ربا فكيف أظهر الموافقة بتسمية النجم ربا ، ثم النقض عليه بالأفول؟!
ولكن ذلك لو كان فإنما كان في قوم يعبدون النجوم والشمس والقمر ، فألزمهم بالأفول ؛ إذ فيه تسخير وغلبة سلطان على سلطان ، وهذا الوجه يجوز أن يظهر على إضمار معنى في نفسه مستقيم : كالمكره على عبادة صليب يقصد قصد عبادة الله ونحوه ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : وصددوا.
(٣) الكهانة المراد منها مناسبة الأرواح البشرية مع الأرواح المجردة من الجن والشياطين ، والاستعلام بهم عن الأحوال الجزئية الحادثة في عالم الكون والفساد المخصوصة بالمستقبل وأكثر ما يكون في العرب.
وقد اشتهر فيهم كاهنان أحدهما شق والآخر سطيح وقصتهما مشهورة في السير.
وقيل كان وجود ذلك في العرب أحد أسباب معجزات النبي صلىاللهعليهوسلم لما كان يخبر به ويحث على اتباعه ، كما يحكي منهم إخبار مجيء رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل ولادته المباركة وكونه نبي آخر الزمان وخاتم الأنبياء وفي هذا الباب حكايات غريبة لا يليق إيرادها فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بكتب السير والتواريخ ولا سيما كتاب أعلام النبوة للماوردي ، لكنهم كانوا محرومين بعد بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام من الاطلاع على المغيبات ومحجوبين عنها بغلبة نور النبي صلىاللهعليهوسلم حتى ورد في بعض الروايات أنه لا كهانة بعد النبوة فلا يجوز الآن تصديق الكهنة والإصغاء إليهم بل هو من أمارات الكفر والمصدق يكون كافرا لقوله عليه الصلاة والسلام «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» قال الرازي أن الكهانة على قسمين :
قسم يكون من خواص بعض النفوس فهو ليس بمكتسب.
وقسم يكون بالعزائم ودعوة الكواكب والاشتغال بهما فبعض طرقه مذكورة فيه ، وأن السلوك في هذا الطريق محرم في شريعتنا فعلى ذلك وجب الاحتراز عن تحصيله واكتسابه ، والقسم الأول داخل في علم العرافة وهو محرم .. ينظر أبجد العلوم (٢ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤).