(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [الطور : ٤٠] ؛ كأنه ـ والله أعلم ـ يجعل لهم العذر في ترك الإجابة له بما يلحقهم من ثقل الأجر والغرم ، والله أعلم.
وفيه ـ أيضا ـ دلالة نقض مذهب القرامطة ؛ لأنهم يعرضون مذهبهم على الناس ، ويأخذون منهم المواثيق والجعل في ذلك ، وإنما أخذ المواثيق من الرسل على تبليغ الرسالة إلى قومهم ، وأمروا بتأليف قلوب الخلق ، وفي أخذ الجعل منهم نفور قلوبهم وطباعهم عن ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ).
أي : ما هذا القرآن إلا ذكرى ، أي : عظة وزجر للعالمين.
قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
__________________
ـ وثانيا : أن احتمال كون الباء في الحديث الثاني للسببية غير ظاهر ؛ لأنه يرده ما في رواية مسلم : انطلق فقد زوجتكها فعلمها ما معك من القرآن. وما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البيهقي قال : ما تحفظ من القرآن ، قال سورة البقرة ، والتي تليها ، قال : فقم ، فعلمها عشرين آية ، وهي امرأتك.
فهاتان الروايتان تدلان على أن تعليم القرآن كان صداقا للمرأة.
هذا ، ومن نظر في أدلة الفريقين ، وما دار حولها من مناقشات وأجوبة ، لم يسعه إلا اختيار مذهب المجوزين لأخذ الأجرة على القرب التي يتعدى نفعها.
ولعمري إن من تأمل جليا وجد أغلب الأعمال التي يرد عقد الإجارة عليها إنما هي قرب ، وطاعات لو لا الأجرة ؛ ألا ترى أن إعانة الضعيف ، والحمل عن العاجز ، وخياطة الثياب للفقراء كلها من قبيل القرب التي يندب فعلها بلا أجرة ، وكلها يجوز الاستئجار عليها ، وأخذ الأجرة في مقابلتها؟!
غاية الأمر أن أخذ الأجرة يحبط ثوابها ، ما لم يكن فيها محاباة أو نية صالحة ، فإن مؤديها يكون له من الثواب بقدر ذلك فكذا هذه الأعمال يجوز الاستئجار عليها ، وأخذ الأجرة في مقابلتها يحبط ثواب نفعها المتعدي ، ويبقى ثواب نفعها الأصلي ؛ إذ لم يرد عقد الإجارة عليه.
وإيضاح ذلك أن المؤذن مثلا يقوم بالأذان عن نفسه وعن غيره فيستحق ثواب نيته وعمله عن نفسه وعن غيره ، فإذا أخذ الأجرة سقط الثواب المتعلق بغيره ، وبقي ثواب النية ، وثواب العمل المتعلق بنفسه وثواب ما يؤدي إليه من تذكر وتفكر.
قال ابن العربي : والصحيح أخذ الأجرة على الأذان ، والصلاة ، والقضاء ، وجميع الأعمال الدينية فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله ، وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجره كما يأخذ المستنيب ا ه.
وهو يريد من الصلاة : الإمامة ؛ لاتفاق الأئمة رحمهمالله جميعا على أن الإجارة لا تجوز على الصلاة مطلقا ، كما يريد أيضا من كلمة وجميع الأعمال الدينية الأعمال التي يتعدى نفعها إلى غير فاعلها. ينظر الإجارات للدكتور : عبد الرحمن مندور.