__________________
ـ رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال يا رسول زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا ، فقال ما أجد شيئا ، فقال التمس ولو خاتما من حديد ، فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : هل معك من القرآن شيء ، قال : نعم سورة كذا ، وسورة كذا لسور يسميها ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم قد زوجتكها بما معك من القرآن.
وفي رواية لهما : قد ملكتها بما معك من القرآن :
فالحديث يفيد جواز جعل تعليم القرآن صداقا ، وإذا جاز أن يكون التعليم عوضا في باب النكاح جاز أن يكون معوضا عنه في غيره.
وثالثا : أن الإجارة على أداء قربة يتعدى نفعها إلى غير فاعلها ، لا تعدو أن تكون إجارة على عمل معلوم مشروع واصل نفعه إلى المستأجر فيجوز كسائر أنواع الإجارة.
مناقشة الأدلة :
وقد ناقش المانعون هذه الأدلة بما يأتي :
أما الحديث الأول فإنه ورد في الرقية ، فيختص بجواز الأجرة عليها ، وهي من باب التداوي ، لا من باب العبادة فلا يقاس عليها غيرها ، فيبقى ما عداها على المنع.
على أنه يمكن حمل الأجر في الحديث على الثواب ، فلا يدل على جواز أخذ الأجرة أصلا ، كما يمكن أن يكون الأخذ من هؤلاء لأنهم كفار أو لأنه كان يجب عليهم أن يضيفوهم فكان هذا عوض ما استحقوه من الضيافة.
وأما الحديث الثاني فليس صريحا في أن الرسول صلىاللهعليهوسلم جعل تعليم المرأة صداقا كما قلتم ، لاحتمال أن تكون الباء في قوله بما معك للسببية لا للمعاوضة ، ويكون الرسول صلىاللهعليهوسلم قد زوجه إياها بلا مهر إكراما لحفظه مقدارا من القرآن ، وقد كان الرسول يملك هذا الحق ، أو أن يكون الرسول صلىاللهعليهوسلم قد صدقها شيئا من عنده إكراما لهما ، أو سكت عن المهر فأصبح واجبا في ذمة الزوج مهر مثلها ، وأيا ما كان الأمر فلا دلالة في الحديث على جعل تعليم القرآن صداقا.
وأما الدليل الثالث فهو قياس في مقابلة النصوص المانعة من أخذ الأجرة على القرب فهو فاسد الاعتبار.
وأجيب عن هذه المناقشة بما يأتي :
أولا : أن حمل الحديث الأول على الرقية تخصيص بالسبب ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقولهم : إن الأجر معناه الثواب مردود ؛ لأن سياق الحديث يأباه للتصريح بالشاء.
وقولهم : إن الرقية من باب التداوي لا من باب العبادة ، مسلم ، ولكنها مع هذا لا تخلو من أنها قربة ؛ نظرا لما تشتمل عليه من التلاوة ولو لا كونها قربة لما أفادت الشفاء بغير سبب ظاهر ، إذ إفادته بغير السبب الظاهر إنما نشأت عن بركة التلاوة ، وكيف يكون فيها البركة وهي غير قربة.
ودعوى أن الأخذ كان لكفرهم ، أو لوجوب الضيافة عليهم ، بعيدة عن سياق الحديث ، ولو كان ذلك هو الواقع لما ناط النبي صلىاللهعليهوسلم أحقية أخذ الأجر بكونه على كتاب الله وسماه أجرا ، فلم يكن غنيمة ، ولا فيئا ، ولا ضيافة ، وكيف يكون عوض ضيافة ، وقد استغنوا عنه ، وجاءوا به كاملا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. ـ