__________________
ـ صاحبة وإنما الذي نقل هو أن طائفة من النصارى قالت (المسيح ابن الله) وطائفة من اليهود قالت (عزيز ابن الله) وجاء في القرآن آيات كثيرة ترد على هاتين الطائفتين نذكر من بين هذه الآيات آية واحدة مع تبيين جهة الرد الذي تضمنته قال تبارك وتعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام : ١٠١].
بيان ذلك أن يقال لهاتين الطائفتين إما أن تريدوا بقولكم (إن لله ابنا) أن الله أحدثه وأبدعه لا على مثال سبق لكونه لم يتولد من نطفة أو اختص بمزايا لم توجد في غيره ولا في من سبقه وإما أن تريدوا ذلك المعنى المتعارف من الولادة في الحيوان. وإما أن تريدوا معنى آخر فإن أردتم المعنى الأول يرد عليكم بخلق السموات والأرض فإن الله أبدعهما لا على مثال سبق وأودع فيهما من الخواص والمزايا ما لا يدخل تحت حصر ومع ذلك لم يقل أحد من المليين بأن السموات والأرض ابن الله ـ فبطل قولكم إن لله ابنا بهذا المعنى وإلى هذا الرد أشير بقوله (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). وإن أردتم الولادة المعروفة في الحيوان فهذا باطل أيضا لوجوه.
الأول : أن تلك الولادة لا تصلح إلا ممن كانت له صاحبة وشهوة وينفصل عنه جزء ويحتبس ذلك الجزء في رحم تلك الصاحبة ـ وهذه الأحوال إنما تصح في الجسم الذي يصح عليه الاجتماع والافتراق وباقي عوارض الجسم.
وهذا محال على خالق العالم لأنه قديم مخالف للممكنات وقد أشير إلى هذا الوجه بقوله تعالى (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ)[الأنعام : ١٠١].
الثاني : أن تحصيل الولد بهذا الطريق إنما يصح في حق من لا يكون قادرا على الخلق والإيجاد والتكوين دفعة واحدة ـ فإذا أراد الولد وعجز عن تكوينه دفعة واحدة عدل إلى تحصيله بالطريق المعتاد ، أما من كان خالقا لجميع الممكنات قادرا على كل المحدثات فإنه إذا أراد إحداث شيء قال له : كن فيكون ، وحيث كان الإله بهذا الوصف امتنع إحداثه للشخص بطريق الولادة وهذا الوجه يشير إلى قوله تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ).
الثالث : أن ذلك الولد إما أن يكون قديما وإما أن يكون حادثا ، وليس جائزا أن يكون قديما لأن القديم لا يحتاج لغيره وهذا الولد يحتاج إلى أبيه في تكوينه فبطل كونه قديما فتعين كونه حادثا وحينئذ يقال لهؤلاء القائلين إن لله ابنا قد ثبت بالدليل العقلي أن الله تعالى عالم بكل شيء فإما أن يعلم أن في تحصيل ولد كمالا ونفعا له وإما أن يعلم أن لا كمال ولا نفع في تحصيله فإن كان يعلم أن في تحصيل الولد كمالا ونفعا فلا وقت يفرض إلا والداعي إلى إيجاد هذا الولد متحقق ، وهذا يوجب كون الولد أزليّا وهو محال ولم يقل به أحد أصلا وإن كان يعلم أن لا كمال في إيجاده ولا نفع في تحصيله وجب ألا يحدث في وقت من الأوقات فلا ولد له أصلا وإلى هذا الوجه أشير بقوله تعالى (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وإن أردتم معنى غير ما ذكر فبينوه لنا لنتكلم معكم فيه.
وقد نقل عن طوائف من النصارى القول بالاتحاد وعن بعضهم القول بالحلول وعن بعضهم القول بأن عيسى ابن الله وعن بعض طوائف اليهود القول بأن عزيرا ابن الله واختلف النقل عن النصارى في معنى الاتحاد ، فقيل معناه : إن الكلمة وهي صفة العلم ظهرت في عيسى وصارت معه هيكلا وقيل معناه المخارجة بمعنى أن تكون من الكلمة وعيسى شيء ثالث ، وأما القول بالحلول فمعناه على رأي بعض فرقهم أن الكلمة وهي صفة العلم حلت في المسيح وعلى رأي البعض الآخر أن ذات الله حلت في المسيح ، ولما كان كلامهم في الحلول والاتحاد مضطربا وغير منضبط على وجه صحيح نذكر الصور العقلية التي تتأتى في الاتحاد والحلول فنقول :
إما أن يقولوا باتحاد ذات الله بالمسيح أو حلول ذاته فيه أو حلول صفته فيه وكل ذلك إما ببدن ـ