إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا) الآية : أخبر أنهم وإن نزل إليهم الآيات بعد السؤال منهم الآيات : من إنزال الملائكة ، وتكليم الموتى ـ أنهم لا يؤمنون ؛ إذ (١) سؤالهم الآيات سؤال تعنت واستهزاء وعناد ، لا سؤال استرشاد ؛ لأنهم قد جاءتهم آيات لو لم يعاندوا لآمنوا [بها](٢) ثم إذا علم منهم أنهم لا يؤمنون ، وأن ما يسألون من الآيات [إنما يسألون](٣) سؤال تعنت وعناد جعل فيهم خصالا على الخذلان من [نحو](٤) قساوة القلب ، حتى أخبر أن قلوبهم أقسى من الحجارة ، ومن نحو البغض والجهالة ، وغير ذلك من الخصال [ما يدل](٥) على ما ذكرنا ، وهو كقوله (٦) : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) [الحجر : ١٤] [يخبر](٧) عن تعنتهم ومكابرتهم.
وفيه دليل أن الآيات لا تضطر أهلها على الإيمان ؛ لأنه قال : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ...) الآية (٨) ، لو كانت آية تضطرهم إلى الإيمان لكانت هذه ، وهذا يدل على أن معنى قوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] أنهم لا يؤمنون بالآية ، ولكن إذا شاء أن يؤمنوا لآمنوا ، ولو كانت الآيات تضطر أهلها إلى الإيمان به لكان لا آية أعظم من القيامة ، ولا أبين منها ، ثم أخبر عنهم أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وقال : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] قد كذبوا عند معاينتهم القيامة والعذاب ؛ فهذا يدل على أن الآية لا تضطر أهلها إلى الإيمان بها ، ويدل أن تأويل قوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] أنهم يخضعون إذا شاء أن يخضعوا ، لا أن الآية تضطرهم على الخضوع بالدلائل التي ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
قال الحسن (٩) : هذه المشيئة مشيئة القدرة ، أي : لو شاء الله أن يعجزهم حتى يؤمنوا ، وهو كقوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) [يس : ٦٦] ، (وَلَوْ نَشاءُ
__________________
(١) في ب : لأن.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : قوله.
(٧) سقط في أ.
(٨) في ب : لأنه.
(٩) ينظر تفسير أبي حيان الأندلسي (٤ / ٢٠٩)