الإيمان لو جاءتهم تلك الآيات ؛ فلا يؤمنون ؛ كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن يقلب في أفئدتهم وأبصارهم آيات وحدانيته وألوهيته ؛ فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة.
ثم تخصيص الأفئدة والأبصار دون غيرها من الجوارح ؛ لأن القلب والبصر لا يقع إلا على ما يشهد به [على](١) وحدانية الله وألوهيته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
قال بعضهم (٢) : إن هؤلاء ، وإن جاءتهم آية ، فإنهم لا يؤمنون كما لم يؤمن أوائلهم من الأمم الخالية لما سألوا الآيات قبلهم ؛ فكذلك هؤلاء لا يؤمنون بها ، وإن جاءتهم الآية بعد السؤال.
وقال غيرهم (٣) : قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، أي : قد جاءتهم آيات قبل هذا على غير سؤال ، فلم يؤمنوا بها ؛ فكذلك إن جاءتهم بالسؤال ، فلا يؤمنون بها.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن مشركي العرب كانوا يقسمون بالله : أنه إن جاءهم نذير يؤمنون به ، وهو قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) [فاطر : ٤٢] يعنون ـ والله أعلم ـ اليهود والنصارى ، أي : لو جاءهم نذير ليكونون أهدى من اليهود والنصارى ، فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا يخبر أنهم كما لم يؤمنوا بالنذير عند سؤالهم النذير في الابتداء إذا جاءهم نذير ، فكذلك ـ أيضا ـ لا يؤمنون عند سؤالهم الآيات ، وإن جاءتهم آيات.
يخبر نبيه أنهم ليسوا يسألون الآيات سؤال استرشاد ، ولكن يسألون سؤال عناد ومكابرة ، وهذا التأويل كأنه أقرب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
إذا علم أنهم لا يؤمنون ، تركهم في [ظلمات](٤) ضلالتهم يعمهون ، ويتحيرون ، والعمه : الحيرة في اللغة.
وقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى).
قيل : هذه الآية صلة قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) إلى قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ذكره ابن جرير (٥ / ٣٠٨).
(٣) ينظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٢٩).
(٤) سقط في ب.