والابتداء.
وقال غيرهم من أهل التأويل (١) : الخطاب لأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ وذلك أنهم لما قالوا : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) ، ظنوا أنهم لما أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم يؤمنون إذا جاءتهم آية ، يفعلون ذلك ويؤمنون على ما يقولون ؛ فقال [لهم](٢) : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ، على طرح لا ، أي ما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون [ويحتمل فيه وجها آخر على الإضمار ، وكأنه قال : وما يشعركم فاعلموا أنها إذا جاءت لا يؤمنون على الوقف في قوله (وَما يُشْعِرُكُمْ) ثم ابتدأ فقال : اعلموا أنها إذا جاءت لا يؤمنون](٣) وهذا كأنه أقرب.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن أهل الإسلام قالوا : إنهم ـ وإن جاءتهم آية ـ لا يؤمنون ؛ فقال عند ذلك : (وَما يُشْعِرُكُمْ) خاطب به هؤلاء (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ).
والثاني : أنهم ، وإن آمنوا بها ، إذا جاءت ؛ فنقلب أفئدتهم من بعد.
وعلى هذا التأويل أن خلق تقلب أفئدتهم وأبصارهم كقوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥] ، أي : خلق زيغ قلوبهم ؛ فكذلك الأوّل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ).
أي : نقلب أفئدتهم وأبصارهم بالحجج والآيات ، ويردونها ؛ فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة. وقال أهل التأويل (٤) : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) ، أي : نحول بينهم وبين
__________________
ـ المؤمنين كانوا حريصين على إيمانهم ، وطامعين فيه إذا جاءت تلك الآية ، ويتمنون مجيئها ، فقال ـ عزوجل ـ (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) على معنى : أنكم لا تدرون ما سبق علمي بهم ، أنهم لا يؤمنون ، ألا ترى إلى قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ)[الأنعام : ١١٠]
السادس : أن «ما» حرف نفي ، يعني : أنه نفى شعورهم بذلك ، وعلى هذا فيطلب «يشعركم» فاعل.
فقيل : هو ضمير الله ـ تعالى ـ أضمر للدلالة عليه ، وفيه تكلف بعيد ، أي : وما يشعركم الله أنها إذا جاءت الآيات المقترحة لا يؤمنون. ينظر : الحجة للفارسي (٣ / ٣٧٦) ، الدر المصون (٣ / ١٤٥) المحتسب (١ / ٢٢٦) ، النشر (٢ / ٢٦١) ، الوسيط (٣ / ٣١١) ، التبيان (١ / ٥٣٠) ومجاز القرآن (١ / ٢٠٤) ، الأخفش (٢ / ٥٠١) الحجة لأبي زرعة ص ٢٦٥ ، السبعة (٢٦٥) ، الكتاب (١ / ٤٦٢) ، الكشاف (٢ / ٥٧) ، معاني القرآن (١ / ٣٥٠).
(١) ينظر تفسير البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ٢٠٣).
(٢) سقط في ب.
(٣) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٤) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٠٩) (١٣٧٥٧) عن مجاهد وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧٢) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عنه وذكره الخازن والبغوي في تفسيرهما (٢ / ٤٢٩) ونسباه إلى ابن عباس.