كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣] ، وغير ذلك من الآيات ؛ فقال : (قُلْ) يا محمد : (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) هو الذي يرسلها وينزلها ، وأنا لا أملك إرسالها ولا إنزالها ؛ كقوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) [الأنعام : ٥٠] ، وغير ذلك من الآيات ؛ إنباء منه أنه لا يملك إنزال ما كانوا يسألونه من الآيات ، ثم قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) اختلف فيه :
قال الحسن وأبو بكر الأصم (١) : إنه خاطب بقوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) أهل القسم الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم : لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ؛ فقال : (وَما يُشْعِرُكُمْ) ، أي : ما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءكم آية ثم استأنف ، فقال : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ، [وهكذا كان يقرؤه](٢) الحسن بالخفض (٣) : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) على الاستئناف
__________________
(١) قال القرطبي (٧ / ٤٣) : قال مجاهد وابن زيد : والمخاطب بهذا المشركون.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : وهذا كان بقراءة.
(٣) وقرأ العامة : أنها بفتح الهمزة ، وابن كثير وأبو عمرو ، وأبو بكر بخلاف عنه بكسرها.
فأما قراءة الكسر : فواضحة استجودها الناس : الخليل وغيره ؛ لأن معناها : استئناف إخبار بعدم إيمان من طبع على قلبه ، ولو جاءتهم كل آية.
قال سيبويه : سألت الخليل عن هذه القراءة يعني : قراءة الفتح فقلت : ما منع أن يكون كقولك : ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال : لا يحسن ذلك في هذا الموضع ، إنما قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ)[الأنعام : ١٠٩] ثم ابتدأ ، فأوجب ، فقال : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ولو فتح ، فقال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ، لكان عذرا لهم ، وقد شرح الناس قول الخليل ، وأوضحوه ، فقال الواحدي وغيره : لأنك لو فتحت (أن) وجعلتها التي في نحو : بلغني أن زيدا منطلق ، لكان عذرا لمن أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون ؛ لأنه إذا قال القائل : إن زيدا لا يؤمن ، فقلت : وما يدريك أنه لا يؤمن؟ كان المعنى : أنه يؤمن ، وإذا كان كذلك ، كان عذرا لمن نفي عنه الإيمان ، وليس مراد الآية الكريمة إقامة عذرهم ، ووجود إيمانهم.
وقال الزمخشري : «وقرئ (إنها) بالكسر ، على أن الكلام قد تم قبله بمعنى : (ما يشعركم ما يكون منهم) ثم أخبرهم بعلمه فيهم ، فقال : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ).
وأما قراءة الفتح : فقد وجهها الناس على ستة أوجه :
أظهرها : أنها بمعنى : لعل ، حكى الخليل «أتيت السوق أنك تشتري لنا منه شيئا» أي : «لعلك» فهذا من كلام العرب كما حكاه الخليل.
الثاني : أن تكون «لا» مزيدة ، وهذا رأي الفراء وشيخه.
الثالث : أن الفتح على تقدير لام العلة ، والتقدير : إنما الآيات التي يقترحونها عند الله ؛ لأنها إذا جاءت لا يؤمنون و (وَما يُشْعِرُكُمْ) اعتراض وصار المعنى : إنما الآيات عند الله أي : المقترحة لا يأتي بها ؛ لانتفاء إيمانهم ، وإصرارهم على كفرهم».
الرابع : أن في الكلام حذف معطوف على ما تقدم.
الخامس : أن «لا» غير مزيدة ، وليس في الكلام حذف ، بل المعنى : وما يدريكم انتفاء إيمانهم ، ويكون هذا جوابا لمن حكم عليهم بالكفر ويئس من إيمانهم.
وقال الزمخشري : «وما يشعركم» : وما يدريكم «أنها» ، أي : أن الآيات التي يقترحوها إذا جاءت لا يؤمنون» بها يعني : «أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها ، وأنتم لا تدرون بذلك». وذلك أن ـ