أحدها : أن الحنث (١) في اليمين يخرج مخرج الاستخفاف (٢) والتهاون ، [وإن كان المسلم لا يقصد قصد الاستخفاف بالله تعالى](٣) وإن كان في اليمين التعظيم ، وفي الحنث استخفاف (٤) ، ففي اليمين بالله جهد اليمين.
ويحتمل وجهين سوى هذا ، وذلك ما قيل : إن الكفرة كانوا لا يحلفون بالله إلا عند العظيم من الأمور ، [و](٥) الجليل منها ، وفي غير ذلك كانوا يحلفون بدونه ؛ فسمي (٦) اليمين بالله جهد اليمين ؛ تعظيما لله وتبجيلا (٧).
والثاني : يحتمل أنهم كانوا يحلفون بأشياء (٨) ، ويؤكدون اليمين بالله ويشددونه ؛ كقوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) [النمل : ٩١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها).
قيل (٩) : إنهم كانوا يقسمون جهد أيمانهم (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) ، كانوا يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم آيات : لئن جاءتهم ليؤمنن (١٠) بها ؛ من نحو ما قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠] ، وكقولهم : (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا
__________________
ـ ٤٥) ، وفتح القدير (٤ / ٣) ، والدسوقي (٢ / ١٢٦) ، وتحفة المحتاج (٨ / ١٦٤) ، والأم (٧ / ٦٢) ، ومطالب أولي النهي (٦ / ٣٥٧ ، ٣٥٨) ، والمغني بأعلى الشرح الكبير (١١ / ٧٤) ، مجموع الفتاوى لابن تيمية (٣٥ / ٢٤٣).
(٦) سقط في أ.
(١) الحنث بالكسر في اللغة : الذنب العظيم ، والإثم. يقال : بلغ الغلام الحنث أي جرى عليه القلم بالطاعة والمعصية ، بالبلوغ. وجاء في القرآن الكريم : (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٤٦]. والحنث الخلف في اليمين ، ففي الأثر : «في اليمين حنث أو مندمة» رواه ابن ماجه بسند ضعيف (٢ / ٦٨١) والمعنى أن يندم الحالف على ما حلف عليه ، أو يحنث في يمينه فتلزمه الكفارة. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن ذلك. ينظر تاج العروس والمصباح المنير (حنث) ، والجمل (١ / ٢٥٣).
(٢) في أ ، ب : الاستحقاق والصواب المثبت.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ ، ب : استحقاق.
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : فيسمى.
(٧) ينظر تفسير القرطبي (٧ / ٤٢) ، وتفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٢٨).
(٨) في أ : ويشددون.
(٩) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٠٦) (١٣٧٤٨) عن مجاهد و (١٣٧٤٩) عن ابن أبي نجيح (١٣٧٥٠) عن محمد بن كعب القرظي وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧٢) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد ونسبه أيضا لابن جرير عن محمد بن كعب القرظي.
(١٠) في أ : يؤمنون.