ذرهم وما يختارون ؛ فإنك تراهم في العذاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) قيل (١) : ولتميل قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة إلى زخرف القول الذي كان يوحي ويلقي شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض (وَلِيَرْضَوْهُ) لما كان الذي أوحى وألقى بعضهم إلى بعض من زخرف القول الذي يوافق هواهم ، وكل من ظفر بما يوافق هواه (٢) فإنه يرضى به ؛ كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) [يونس : ٧] لأنهم كانوا لا يؤمنون بالآخرة ولا يرجون لقاءه وكانت (٣) همتهم هذه الدنيا ورضوا بها واطمأنوا فيها.
ويحتمل قوله : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ) أي : إلى الكتاب (أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ؛ أي : ليس ميل قبول منهم له ، ولكن ميل طلب الطعن فيه ، وهكذا كانت [همة](٤) أولئك الكفرة ، وعادتهم طلب الطعن فيه ، والأول أشبه.
ثم إن كان زخرف القول الذي أوحى بعضهم إلى بعض من كبرائهم وعظمائهم ، فقد أشرك ـ تعالى ـ هؤلاء وأولئك في الكذب الذي كان منهم كان من الكبراء الدعاء إلى ذلك ، ومن الأتباع الرضا والإجابة ، وكان منهم التزيين والزخرفة ، ومن الأتباع القبول والرضا به ، فقد اشتركوا (٥) جميعا في ذلك الكذب ، والقول (٦) : الغرور.
وقوله : (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) اختلف فيه :
قال قائلون : قوله : (وَلِيَقْتَرِفُوا) يعني : هؤلاء الأتباع (ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) أي : ليكتسبوا هؤلاء الأتباع من الكذب ما كان أولئك يكتسبون من الكذب.
وقيل : (وَلِيَقْتَرِفُوا) أولئك المتبوعون من الكذب (ما هُمْ) يعني : هؤلاء الأتباع (مُقْتَرِفُونَ) من القول الغرور والزخرف.
ثم اختلف في الاقتراف : قال بعضهم (٧) : الاكتساب ؛ اكتساب كلّ شيء.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣١٧) (١٣٧٨٥ ، ١٣٧٨٦) عن ابن عباس وبمعناه عن السدي (٣١٧٨٧).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧٤) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
ولابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن السدي.
(٢) في أ : هواهم.
(٣) في أ : وكان.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : أشركوا.
(٦) في أ : كالقول.
(٧) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣١٧) (١٣٧٨٩) عن ابن عباس بنحوه وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧٤ ـ ٧٥) وعزاه للطستي وابن الأنباري.