وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً).
يعني : من تقدم ذكره من الجن ، والإنس ، أو نحشر (١) الأولين والآخرين.
(يا مَعْشَرَ الْجِنِ).
هو على الإضمار ؛ كأنه قال : يوم نحشرهم جميعا [يا معشر](٢) الجن والإنس ، ثم نقول للجن : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) ، كقوله : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، أي : يقولون (٣) : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ؛ فكذلك هذا هو على الإضمار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ).
قال أهل التأويل في قوله : (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) : [أي : أضللتم كثيرا من الإنس](٤) وهم قد استكثروا من الأتباع من الإنس : في عبادة غير الله ، ومخالفة أمر الله وتوحيده أو : قد استكثرتم عبادا من الإنس.
(وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ).
اختلف فيه : قال بعضهم : تعاون بعضنا ببعض في معصية الله ومخالفة أمره : هؤلاء بالدعاء وأولئك بالإجابة.
وقال قائلون (٥) : ربنا استمتع بعضنا ببعض أي : انتفع بعضنا ببعض بأنواع المنافع : ما ذكر ـ في بعض القصة ـ أن الرجل من الإنس إذا سافر فأدركه المساء بأرض القفر خاف ؛ فيقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ؛ فيأمن في ذلك بالتعوذ إلى سيدهم ؛ فذلك استمتاع الإنس بالجن ؛ فذلك [قوله](٦) : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) الآية [الجن : ٦].
وأمّا استمتاع الجن بالإنس [فهو] ما يزداد لهم الذكر والشرف في قومهم ، يقولون : لقد سودتنا الإنس. ويحتمل استمتاع الجن بالإنس ما ذكر ـ إن ثبت ـ أنه جعل طعامهم العظام التي يستعملها الإنسان ، ويكون ذلك غذاءهم ، وعلف دوابهم أرواث دواب الإنس.
__________________
(١) في أ : يحشر.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : تقولون.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٤٣) (١٣٨٩٣) عن ابن جريج وذكره السيوطي في الدر المنثور (٣ / ٨٥) وعزاه لابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وذكره البغوي والخازن في تفسيرهما (٢ / ٤٤٤) ونسباه للكلبي.
(٦) سقط في أ.