وقال الفراء : يحتمل أن تكون هذه الحروف المقطعة المتفرقة التي أنزلها من أب ت ث إلى آخرها كأنه قال : إنيجمعت هذه الحروف المقطعة (١) فجعلتها كتابا ، فأنزلتها ؛ من نحو : (المص) [الأعراف : ١] ، و (الم اللهُ) [آل عمران : ١ ـ ٢] ، و (الم ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة : ١ ـ ٢] ، و (المر) [الرعد : ١] ونحوه ، والله أعلم بما أراد به ذلك.
وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب مقدار ما حفظنا وفهمنا من أقاويل أهل العلم في ذلك (٢).
__________________
(١) في ب : المتفرقة.
(٢) قال المصنف في أول سورة البقرة : قيل فيه وجوه :
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قوله (الم) أنا الله أعلم.
وقيل : إنه قسم أقسم بها.
وقيل : إن هذه الحروف المعجمة مفتاح السورة.
وقيل : إن كل حرف من هذه الحروف كناية عن اسم من أسماء الله تعالى : الألف الله ، واللام لطفه ، والميم ملكه.
وقيل : إن اللام آلاؤه والميم مجده.
وقيل : إن الألف هو الله واللام جبريل والميم محمد.
وقيل : إنها من التشبيب ؛ ليفصل بين المنظوم من الكلام والمنثور من نحو الشعر ونحوه.
وقيل : إن تفسير هذه الحروف المقطعة ما ألحق ذكره بها على أثرها نحو قوله
الم ذلِكَ الْكِتابُ [أول سورة البقرة] ، (ذلِكَ الْكِتابُ) هو تفسير (الم) ، و (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)[أول سورة آل عمران] ، و (المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ)[أول سورة الأعراف] و (الر كِتابٌ)[أول سورة هود ، وإبراهيم] ، و (الم تِلْكَ آياتُ)[أول سورة لقمان] كلّ ملحق بها فهو تفسيرها.
وقيل : إن فيها بيان غاية ملك هذه الأمة من حساب الجمل ولكنهم عدوا بعضها وتركوا البعض.
وقيل : إنه من المتشابه الذي لم يطلع الله خلقه علم ذلك ولله أن يمتحن عباده بما شاء من المحن.
وقيل : إنهم كانوا لا يستمعون لهذا القرآن كقولهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)[فصلت : ٢٦] ، وكقوله (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)[الأنفال : ٣٥] فأنزل الله عزوجل هذه الحروف المعجمة ليستمعوا إليها فيلزمهم الحجة.
الأصل في الحروف المقطعة أنه يجوز أن تكون على القسم بها على ما ذكرنا. وأريد بالقدر الذى ذكر كلية الحروف بما كان من شأن العرب القسم بالذى جلّ قدره ، وعظم خطره. وهي مما بها قوام الدارين ، وبها يتصل إلى المنافع أجمع. مع ما دلت على نعمتين عظيمتين : اللسان والسمع ، وهما مجرى كل أنواع الحكمة ، فأقسم بها على معنى إضمار ربّها ، أو على : ما أجلّ قدرها في أعين الخلق! فيقسم بها ، ولله ذلك ولا قوة إلا بالله.
ويحتمل أن يكون بمعنى الرمز والتضمين في كل حرف منها أمرا جليلا يعظم خطره على ما عند الناس في أمر حساب الجمل. ثم يخرّج على الرمز بها عن أسماء الله وصفاته ونعمه على خلقه ، أو على بيان منتهى هذه الأمة ، أو عدد أئمتها وملوكها والبقاع التى ينتهى أمرها إليها ؛. وذلك في نهاية الإيجاز ، بل بالاكتفاء بالرمز عن الكلام ، وبما هو بمعنى من الإشارة في الاكتفاء بها عن البسط. ولا قوة إلا بالله ؛ ليعلم الخلائق قدرة الله ، وأنّ له أن يضمن ما شاء فيما شاء على ما عليه أمر ـ