وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ).
قيل (١) : الحرج : هو الضيق في الصدر ، ثم يحتمل ضيق الصدر وجوها :
يحتمل ضيق الصدر ما يحل عليه في ذلك من الشدائد والخطورات بتبليغه إلى الكفرة الذين نشئوا على الكفر والشرك ، وخاصة الفراعنة والملوك الذين همتهم القتل والإهلاك لمن استقبلهم بالخلاف.
أو أن يوسوس في صدره الشيطان أنه ليس من عند الله ، أو أن يقول له : إنه من أساطير الأولين ؛ على ما قال أولئك الكفرة : (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأحقاف : ١٧].
ثم يحتمل قوله : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) على النهي ، أي : لا يكن في صدرك منه حرج ، أي : لا يضق صدرك مما حمل عليك.
وقال بعضهم (٢) : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) ، أي : شك أنه من عند الله نزل.
وقد ذكرنا أن العصمة لا تمنع النهي ؛ لأنه بالنهي ما يكون عصمه.
ويحتمل : ليس على النهي ، ولكن على ألا تحمل على نفسك ما فيه هلاكك ؛ كقوله :
__________________
ـ الخلائق من لطيف الأشياء التي كادت العقول وأسباب الإدراك تقصر عنها .... فعلى ذلك أمر تركيب الكلام ولا قوة إلا بالله.
ويجوز أن يكون بمعنى اسم السور ، ولله تسميتها بما شاء كما سمى كتبه. وعلى ذلك منتهى أسماء الأجناس خمسة أحرف ، وكذلك أمر السور ؛ دليل ذلك وصل كل سورة فتحت بها إليها ، كأنه بنى بها. ولا قوة إلا بالله.
ويجوز أن يكون على التشبيب ، على ما ذكرنا للتفصيل بين المنظوم من الكلام والمنثور في المتعارف أن المنظوم في الشاهد يشبب فيخرج عن المقصود بذلك الكلام فعلى ذلك أمر الكلام المنزل ؛ ألا ترى أنه خرج على ما عليه فنون الكلام في الشاهد إلا أنه على وجه ينقطع له المثال من كلامهم فمثله أمر التشبيب. ولا قوة إلا بالله.
وجائز : أن يكون الله أنزلها على ما أراد ؛ ليمتحن عباده بالوقف فيها ، وتسليم المراد في حقيقة معناه والذي له يئول ذلك ، ويعترف أنه من المتشابه وفيها جاء تعلق الملحدة ولا قوة إلا بالله.
ويحتمل : أن يكون إذ علم الله من تعنت قوم وإعراضهم عنه وقولهم (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)[فصلت : ٢٦] أنزل على وجه يبعثهم على التأمل في ذلك بما جاء بالعجيب الذي لم يكونوا يعرفون ذلك : إما لما عندهم أنه كأحدهم ، أو لسبيل الطعن ؛ إذ خرج عن المعهود عندهم ، فتلا عليهم ما يضطرهم إلى العلم بالنزول من عند من يملك تدبير الأشياء ؛ ولذلك اعترضوا لهذه الأحرف بالتأمل فيها من بين الجميع. ولا قوة إلا بالله.
وقيل : إنه دعا خلقه إلى ذلك والله أعلم بما أراد.
(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٣ / ١٢٦) وعزاه لأبي الشيخ عن الضحاك.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٢٥) (١٤٣٢١) عن ابن عباس وعن غيره ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٣ / ١٢٦).