(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل : ١٢٧] ، وكقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] : ليس على النهي ؛ ولكن على ألا تحمل على نفسك ما فيه هلاكك ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
ثم إن الله ـ عزوجل ـ أمنه عما كان يخاف من أولئك بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، وأمنه من وساوس الشيطان ؛ على ما روي في الخبر (١) أنه قيل : ألك شيطان؟ فقال : «كان ، ولكن أعنت عليه ؛ فأسلم» (٢) أمّن ـ عزوجل ـ رسوله عن ذلك كله ؛ لما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتُنْذِرَ بِهِ).
يحتمل أنه أمره أن ينذر به الكفرة ، ويبشر به المؤمنين ؛ كقوله : (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) [الأحقاف : ١٢] ؛ فعلى ذلك قوله : (لِتُنْذِرَ بِهِ) الكفرة.
(وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).
أي : بشرى على ما ذكرنا ، ويكون في الإنذار بشرى ؛ لأنه إذا أنذر فقبل الإنذار ، فهو له بشرى.
ويحتمل قوله : (لِتُنْذِرَ بِهِ) ، أي : الكل الموافق والمخالف جميعا ؛ كقوله : (لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١] ، (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) ، أي : الذي ينتفع به المؤمنون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (اتَّبِعُوا).
لا تتبعوا أولئك في التحليل والتحريم وفي الأمر (٣) والنهي (٤) ؛ لأنه ليس (٥) إلى الخلق
__________________
(١) الخبر لغة : اسم لما ينقل ويتحدث به ، وجمعه : أخبار ، واستخبره : سأله عن الخبر وطلب أن يخبره ، والخبير : العالم بكنه الخبر ، وخبرت الأمر ، أي : علمته. والخبير : من أسماء الله تعالى ، معناه : العالم بكنه الشيء ، المطلع على حقيقته.
أما عند علماء الحديث فقد قال ابن حجر العسقلاني : الخبر عند علماء الفن (مصطلح الحديث) مرادف للحديث ، فيطلقان على المرفوع وعلى الموقوف ، والمقطوع ، وقيل : الحديث ما جاء عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، والخبر ما جاء عن غيره ، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالسنة : محدث ، وبالتواريخ ونحوها : أخباري ، وقيل : بينهما عموم وخصوص مطلق ، فكل حديث خبر ولا عكس ، وقيل : لا يطلق الحديث على غير المرفوع إلا بشرط التقييد ، وقد ذكر النووي أن المحدثين يسمون المرفوع والموقوف بالأثر ، وأن فقهاء خراسان يسمون الموقوف بالأثر ، والمرفوع بالخبر.
ينظر : لسان العرب (خبر) ، والمصباح المنير (خبر) ، والمستصفى للغزالي (١ / ١٣٢) ، وكشف الأسرار (٢ / ٦٨٠) ، وأصول الشاشي (١ / ٢٧٠) ، والمنثور في القواعد للزركشي (٢ / ١١٧).
(٢) أخرجه أحمد (٣ / ٣٠٩ ، ٣٩٧) ، والترمذي (١١٧٢) عن جابر بن عبد الله بنحوه.
(٣) اختلفت آراء العلماء في مسمى الأمر اللساني ومعناه إلى ثلاثة مذاهب :
الأول : مذهب الجمهور ؛ فقد عرفوا الأمر بأنه القول الطالب للفعل مطلقا ، وتفسير الإطلاق سواء أصدر الأمر من الأعلى للأدنى ، كأوامر الله تعالى وأوامر الحاكم لشعبه ، فإن الله ـ