__________________
ـ سبحانه ـ يعلو عن الخلق ؛ لأنه خالق ، وكذا الحاكم أعلى من شعبه ، وهم المحكومون ؛ ولهذا يقولون : الأمر الصادر من الحاكم برقم كذا ـ أم كان صادرا من الأدنى إلى الأعلى ، أم كان صادرا من المساوي لمساويه ؛ فكل هذا يسمى أمرا في اللغة.
وأما إذا خص العرف الأمر الصادر من الأدنى إلى الأعلى ب «السؤال» ، وخص المساوي ب «الالتماس» ، فهذا اصطلاح عرفي ، وكلامنا في مسمى الأمر اللغوي ؛ فإنه أمر في جميع الأحوال ؛ لأن علماء اللغة لم يفرقوا ـ في وضع لفظ الأمر على مسماه الذي هو صيغة «افعل» بين صدوره من الأعلى رتبة ، أو من الأدنى ، أو من المساوي. وإلى هذا مال البيضاوي في المنهاج.
الثاني : يرى فريق من المعتزلة ، وطائفة كبيرة من الأشاعرة ، أن الأمر هو القول الطالب للفعل بشرط صدوره ممن هو أعلى رتبة ، لمن هو أدنى منه.
الثالث : يرى الإمام الرازي ، وابن الحاجب ، والآمدي أنه هو القول الطالب للفعل بشرط الاستعلاء.
ينظر : البرهان لإمام الحرمين (١ / ٢٠٣) ، والبحر المحيط للزركشي (٢ / ٣٤٢) ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (٢ / ١٢٠) ، وسلاسل الذهب للزركشي ص (١٢٠ ، ١٢١) ، ونهاية السول للإسنوي (٢ / ٢٢٦) ، ومنهاج العقول للبدخشي (٢ / ٣).
(٤) الأشاعرة عرفوه تارة باعتبار حقيقته الكلامية ، وعرفوه أخرى باللفظ الدال على تلك الحقيقة :
مذهب الأشاعرة في تعريف النهي باعتبار حقيقته الكلامية :
الصحيح ـ عندهم ـ في تعريفه على ما اختاره ابن الحاجب أنه : «اقتضاء كف عن فعل على جهة الاستعلاء».
ومذهب الأشاعرة في تعريف النهي باعتبار أنه لفظ دال على المعنى النفسي ، وهذا هو المناسب لغرض الأصوليين ؛ لأن بحثهم إنما هو عن الأدلة اللفظية السمعية ؛ من حيث يوصل العلم بأحوالها العارضة لها من عموم وخصوص ، وإطلاق وتقييد ونحوه إلى القدرة على إثبات الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين ، وإن كان مرجع الأدلة السمعية إلى الكلام النفسي :
ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني ، وإمام الحرمين ، والإمام الغزالي إلى أنه : «القول المقتضي طاعة المنهي بترك المنهي عنه» وهذا ما اختاره جمهور الشافعية.
ومذهب الكمال بن الهمام ـ وهو من الأحناف ـ في تعريف النهي اللفظي. قال الكمال ما محصله ـ وهو المختار ـ : مبنى تعريف النهي اللفظي الذي هو غرض الأصولي ، أن لطلب الكف عن الفعل صيغة تخصه ، بمعنى أنها لا تستعمل في غيره على سبيل الحقيقة ، وقد وقع في هذا خلاف ، والصحيح أن له لفظا يخصه.
وحاصل تعريف النهي اللفظي : ذكر ما يميز صيغته عن غيرها من الصيغ ، فسميت هذه المميزات حدّا.
مذهب المعتزلة في تعريف النهي :
بسبب أن المعتزلة أنكرت الكلام النفسي لم يعرفوا النهي باعتبار المعنى القائم بالنفس ، وأنه اقتضاء الكف ، أو طلب الكف ؛ لأن هذا نوع من الكلام النفسي ، فعرفوه تارة باعتبار أنه لفظ ، وعرفوه أخرى باعتبار الإرادة المقترنة بالصيغة ، ومرة ثالثة باعتبار أنه الإرادة نفسها.
وقد عرفه جمهورهم باعتبار أنه لفظ ، فقالوا : «هو قول القائل لمن دونه : لا تفعل» أي : قول القائل لفظا موضوعا لطلب ترك الفعل من الفاعل.
وأما تعريفهم النهي باعتبار ما يقترن بالصيغة من الإرادة ، فقد ذهبت طائفة من معتزلة البصرة إلى ـ