أحدهما : أن ليس على الكافر أنفس أفعال الطاعات وأعينها (١) ، إنما عليه قبول تلك الأعمال ، فإذا أسلم ، فقد قبلها ولم يكن عليه في ذلك الوقت إلا القبول ؛ لذلك لم يؤاخذ بما كان منه من الأعمال.
وأما المؤمن فعليه أنفس أفعال (٢) تلك الطاعات ، وتلك الأعمال ، وقد كان منذ (٣) القبول [آخذا بما كان](٤) منه التفريط في تلك الأعمال.
والثاني : أن الكافر إذا أسلم بعد ما ارتكب من الكبائر ؛ لم يجرح إيمانه ، ولا أدخل فيه نقصا ؛ فلم يؤاخذ بما كان منه لما قدم على (٥) ربه بإيمان كامل.
وأما المؤمن إذا ارتكب كبائر فقد جرح (٦) الإيمان ، وأدخل [فيه](٧) النقصان بعمله الذي يخالف الإيمان ، ولا يوافقه ؛ لذلك افترقا.
ويشبه أن يكون قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) على التمثيل ليس على تحقيق الميزان والخفة ، ولكن على الوصف بالعظم لأعمال المؤمنين وبالخفة والتلاشي لأعمال الكافرين ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ ضرب لأعمال المؤمنين المثل بالشيء الثابت والطيب ، ووصف أعمالهم بالثبات والقرار فيه ، وضرب لأعمال الكافرين المثل وشبهها بالشيء التافه التالف ، ووصفها بالبطلان والتلاشي كقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) [إبراهيم : ٢٤] : وصف أعمالهم بالطيب والثبات والقرار ، ووصف أعمال الكافرين بالخبث والتلاشي والبطلان كقوله : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) [إبراهيم : ٢٦] ، وقال في آية أخرى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) [الأعراف : ٥٨] ، وقال : (وَالَّذِينَ َفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور : ٣٩] ، وكقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد : ١٧] ونحوه من الآيات : وصف أعمال المؤمنين بالثبات
__________________
(١) في ب : وأعلاها.
(٢) في ب : أقوال.
(٣) في أ : منه.
(٤) سقط في ب.
(٥) زاد في أ : ندم.
(٦) في أ : خرج.
(٧) سقط في أ.