ذكر في الآية ، وكذلك [قال نوح](١) : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) [هود : ٤٧] ، وقال إبراهيم : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [إبراهيم : ٤١] ، وقال نوح : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) [نوح : ٢٨] ، بعضه خرج على الأمر ، وبعضه على السؤال ، وكله على الدعاء والسؤال ليس على الأمر ، وإن خرج ظاهره مخرج الأمر ؛ لأن الأمر ممن هو دونه لمن فوقه [دعاء وسؤال ، وممن هو فوقه لمن دونه](٢) أمر ، لو أن ملكا من الملوك [إذا أمر بعض خدمه بأمر أو بعض رعيته فهو أمر](٣) وإذا أمره بعض خدمه أو رعيته ـ الأمير ـ شيئا ، فهو ليس بأمر ، ولكنه سؤال ودعاء ؛ فعلى ذلك دعاء الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ربهم.
فإن قيل : إن الرسل سألوا ربهم المغفرة لزلاتهم ، فلا يخلو : إما أن أجيبوا في ذلك ، أو لم يجابوا ؛ فإن لم يجابوا فيما سألوا ، فهو عظيم ، وإن أجيبوا في ذلك ـ والمغفرة في اللغة (٤) : الستر ـ كيف ذكرت زلاتهم في الملأ إلى يوم القيامة؟
قيل : لوجوه :
__________________
ـ الطين أفضل منها من أوجه :
أحدها : أن من جوهر الطين الرّزانة والسّكون والوقار والحلم والأناة والحياء والصبر ؛ وذلك سبب توبة آدم وتواضعه وتضرّعه ؛ فأورثه المغفرة والاجتباء والهداية. وجوهر النار الخفّة والطّيش والحدّة والارتفاع والاضطراب ؛ وذلك سبب استكبار إبليس ؛ فأورثه اللعنة والهلاك.
والثاني : أن الجنة موصوفة بأن ترابها مشك ، ولم ينقل أن فيها نارا.
الثالث : أنها سبب العذاب بخلاف الطّين.
الرابع : أن الطّين مستغن عن النار ، وهي محتاجة إلى مكان ، وهو التراب.
الخامس : أن الطّين سبب جمع الأشياء ، وهي سبب تفريقها ، وبالله التوفيق.
ينظر : تهذيب الأسماء واللغات (١ / ٩٥ ـ ٩٧).
(٤) الغفر : الستر والتغطية ، ومنه المغفر ؛ لأنه يستر الرأس. وقيل : هو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس ، ومنه قيل : اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك ، فإنه أغفر للوسخ. والغفارة بمعنى المغفر.
وأنشد للأعشى :
أو شطبة جرداء تض |
|
بر بالمدجج ذي الغفاره |
ومنه حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ : أنه لما حصب المسجد ، قال له رجل : لم فعلت هذا؟ فقال : لأنه أغفر للنخامة ، أي : أستر لها.
قال بعضهم : فمعنى مغفرة الله هو صونه للعبد أن يمسه العذاب.
ينظر : عمدة الحفاظ (٣ / ٢٠٠ ، ٢٠١).
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : كقوله.