أحدها : [أنهم](١) لما ارتكبوا تلك الزلات عظم ذلك عليهم ، واشتغلت قلوبهم بذلك ؛ لعظيم (٢) ما ارتكبوا عندهم ، لم يخطر ببالهم عند سؤالهم المغفرة ستر ذلك على الناس ، وكتمانها عنهم بعد أن أجاب الله بالتجاوز عنهم في ذلك.
أو أن يقال : أراد بإفشاء ذلك وإظهاره (٣) إيقاظ غيرهم وتنبيههم (٤) في ذلك ؛ ليعلموا أن الرسل مع جليل قدرهم ، وعظيم منزلتهم عند الله لم يحابهم في العتاب والتوبيخ بما ارتكبوا ؛ فمن دونهم أحق في ذلك.
أو أن ذكر ذلك ؛ ليعلموا أنه ليس بغافل عن ذلك ، ولا يخفى عليه شيء ، والله أعلم بذلك.
وقوله : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ، وقال : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١] ، وقال : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] ، فأعلمنا الله ـ عزوجل ـ أن آدم نسي أمر ربّه ؛ فقال قوم من أهل العلم : أكل آدم من الشجرة وهو ناس لنهي الله إياه عن أكلها ، وكان أكله منها ظلما منه لنفسه وعصيانا لربّه ، وإن كان فعل ذلك ناسيا.
ثم إن الله تفضل على أمة محمد ؛ فرفع عنهم في الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (٥).
وقال قوم (٦) يعني قوله : (فَنَسِيَ) أي : ترك أمر ربه من غير نسيان ، وقالوا : هذا كقول الله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧].
ولا ندري كيف كان ذلك.
وقال بعض أهل العلم : إن الخطأ والنسيان في الأحكام موضوع (٧) بهذا الحديث ، فيقال : فما تقولون في قتل الخطأ (٨) : هل فيه الدية والكفارة (٩)؟ وما تقولون في رجل
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : لعظم.
(٣) في ب : وإظهارها.
(٤) في ب : تنبيها.
(٥) ورد حديث في معناه أخرجه ابن ماجه (٢٠٤٥) ، والعقيلي في الضعفاء (٤ / ١٤٥) ، والبيهقي (٧ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧) عن ابن عباس.
(٦) أخرجه ابن جرير (٨ / ٤٦٥) (٢٤٣٧٧) (٢٤٣٧٨) عن ابن عباس ومجاهد بنحوه.
(٧) أي : مرفوع ومحط عنه. ينظر : المعجم الوسيط (١ / ١٠٣٩).
(٨) يقول الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ...) [النساء : ٩٢] إلى أن قال : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً. وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) [النساء : ٩٢ ، ٩٣]. ـ