يقولون : الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر (١). ثم من قوله : إن الرسل والأنبياء معصومون عن الكبائر ، فزلة آدم [لا شك أنها صغيرة لما ذكرنا ، ثم قال : إن لم يغفر لكان من الخاسرين فإذا لم يكن له أن يعذبه فيصير وكأنه قال أجرمت وخطئت علينا لتكونن من الخاسرين ، وفائدة تقدير آدم](٢) وحواء (٣) أن يكونا من الملائكة
__________________
(١) ينظر الفرق بين الفرق (١ / ١٥٤) منهاج السنة النبوية (٣ / ٩٠).
(٢) سقط في أ.
(٣) هذه القصة جاء ذكرها في القرآن الكريم في مواضع عدة ، منها في سورة الأعراف هذه ، ومنها في سورة طه : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢٠ ، ١٢١] ، وجاء في سورة البقرة بعد نداء الله تعالى لآدم وأمره له أن يسكن الجنة هو وزوجه ، وإباحة الأكل له من كل شيء فيها ما عدا شجرة الخلد التي حظر عليه الأكل منها ـ : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة : ٣٦ ، ٣٧] ... إلى غير ذلك من الآيات الواردة في المواضع الأخرى.
وكلام المعارضين للعصمة في هذه الآيات من أوجه ستة كل واحد منها يلزم منه معصية آدم : فالوجه الأول أن قوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)[طه : ١٢١] إخبار منه تعالى بأن آدم وقع منه العصيان ، وهو من الكبائر ؛ بدليل قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً)[الجن : ٢٣] والغواية المترتبة على العصيان فى الآية تؤكد ذلك ؛ لأنها اتباع الشيطان ؛ لقوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ)[الحجر : ٤٢].
والوجه الثاني : قوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى)[طه : ١٢٢] ولا شك أن التوبة تكون مسبوقة بالذنب ؛ لأن معناها الندم على ما فرط من الذنوب والعزم على عدم العود ، وحينئذ فيكون آدم قد فعل ذنبا ثم ندم على اقترافه ، وعزم على ألا يعود فتاب الله تعالى عليه وهداه.
الوجه الثالث : أن قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)[البقرة : ٣٥] صريح في النهي عن الأكل منها ، وآدم قد خالف وأكل منها ؛ فيكون قد خالف النهي وارتكب المنهي عنه ، ومخالفة النهي معصية.
الوجه الرابع : قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) فيه ترتّب كونهما من الظالمين على تقدير الأكل منها ، وقد أكلا منها بصريح الآية ؛ فكانا من الظالمين ، ولا شك أن الظلم معصية.
الوجه الخامس : قول الله تعالى حكاية عن آدم وحواء : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)[الأعراف : ٢٣] فيه اعتراف منهما أنهما ظلما أنفسهما ، والظلم ذنب ثم الخسران الذي ترتب على الظلم لو لا المغفرة يدل على أنه كبيرة.
الوجه السادس : قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ)[البقرة : ٣٦] يدل دلالة صريحة على أن إخراج آدم وحواء من الجنة كان بإزلال الشيطان لهما وإغوائه إياهما ومقاسمته لهما إنه لمن الناصحين ، واستحقاق إخراجهما بسبب غواية الشيطان يدل على أن الذنب الصادر منهما كبيرة.
هذه هي أوجه المخالفين ، وظاهر أن جميع ما ذكروه من الأوجه يدور حول قصة أكل آدم من الشجرة بعد نهيه عنها ، وتسمية هذا معصية وتوبة آدم وقبول الله تعالى لتوبته. ولبيان الرد عليهم فيها ـ