__________________
ـ نقول : إن ما وقع من آدم ـ عليهالسلام ـ وهو أكله من الشجرة كان قبل نبوته ؛ وذلك لأن آدم حين ذاك كان في الجنة ولا أمة له ، وكيف يكون نبي بلا أمة؟! واعترض على هذا من وجهين :
أولهما : قوله تعالى : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ...)[الأعراف : ١٩] إلخ ، يدل على أن آدم إذ ذاك كان نبيا ؛ لأنه أوحي إليه بهذه الآية ، ولا يصح الرد على هذا بأن الوحي لا يستلزم النبوة بدليل قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ)[القصص : ٧] وبعيد أن تكون امرأة نبيا ؛ لأنا نقول : إن المفهوم ما ورد في قصة آدم هو إسماعه الكلام المنظوم في اليقظة وهو المسمى بالوحي الظاهر ، وهو من خصائص الأنبياء ، أما إلقاء الكلام في الروع حال اليقظة أو إسماع الكلام المنظوم في المنام فهو الوحي له ، والإيحاء إلى أم موسى كان من هذا القبيل.
وثانيهما : قولكم : إن آدم كان في الجنة ولا أمة ، ممنوع ؛ لأن حواء أمة له ، ولا ينفعكم القول بأن الإرسال إلى الواحد غير معهود ؛ لأنا نقول : إن غير المعهود هو الإرسال إلى الواحد فقط ؛ لأن تعريف النبي بقولهم : هو من قال الله له : أرسلناك إلى الناس أو إلى أمة كذا ، لا يحتم أن يكون الناس المرسل إليهم موجودين في ابتداء الإرسال.
هذا ما اعترض به ، ولكن ما نقله الغزي يشهد لما قلناه من أن آدم لم يكن حال الواقعة رسولا ، وعبارة اللباب ـ كما نقلها الغزي ـ : لو كان آدم ـ عليهالسلام ـ رسولا قبل الواقعة لكان رسولا من غير مرسل إليه ؛ لأنه لم يكن في الجنة بشر سوى حواء ، وكان الخطاب لها بدون واسطة آدم ـ عليهالسلام ـ كما هو ظاهر من قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) ، والملائكة رسل الله فلا يحتاجون إلى رسول آخر ، وحيث ثبت أن هذه الواقعة كانت قبل نبوة آدم فلا تصادم إلا مذهب الكثيرين من المعتزلة الذين يذهبون إلى أن الأنبياء معصومون مطلقا قبل النبوة وبعدها ، ومما يؤيد أيضا كون هذه الواقعة قبل نبوة آدم قوله تعالى :
(فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) [طه : ١٢١ ـ ١٢٢] ؛ لأن الاجتباء للنبوة عقب «ثم» المفيدة للترتيب مع التراخي والمهلة ، فهذه الواقعة بلا ريب كانت قبل النبوة.
وقد ذهب بعضهم إلى أن قصة أكل آدم من الشجرة كانت بعد بعثته ، وهؤلاء يذهبون في الرد على من خالف في العصمة مذاهب أخرى :
فمنهم من قال : إن الأكل من الشجرة كان على سبيل النسيان ، بدليل قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)[طه : ١١٥]. وقد اعترض [على] هذا بأن إبليس ذكّر آدم أمر النهي بقوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)[الأعراف : ٢٠] ، ومع هذا التذكير يمتنع النسيان. وقد أجيب عنه بأنه يجوز أن يكون وقت التذكير غير وقت النسيان حتى يتجه قوله تعالى : (فَنَسِيَ) ، ولكن عتاب الله لآدم وحواء بقوله : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)[الأعراف : ٢٢] واعترافهما بأنهما ظلما أنفسهما وطلبهما للمغفرة والرحمة ، كل ذلك ينافي النسيان ، ومنهم من أجاب بأن آدم كان متذكرا للنهي ، ولكنه قد تناول من الشجرة متأولا ، والتأويل من وجوه :
الأول : أن آدم ـ عليهالسلام ـ فهم من قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)[الأعراف : ١٩] أن المنهي عنه : الشخص لا النوع ، بأن يكون آدم ـ عليهالسلام ـ كف عن شجرة لشخصها ظنها المرادة بالنهي عن الأكل منها ، وتناول من شجرة أخرى تشترك معها في نوع واحد ، ولا تعدّ في ذلك ، فإن كان هذا كما يشار بها إلى الشخص قد يشار بها إلى النوع كقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به». ـ