لأن الملك [كما ذكرنا أنه] لا يفتر عن العبادة ، ولا يعصي ... ربه ، ولا يحتاج إلى شيء من المؤنة ، ومن قرأ : ملكين ؛ لأن الملك يكون نافذ الأمر والنهي (١) في مملكته ، وذلك مما يرغب فيه.
أو أن يكون [أراد](٢) بذلك ؛ ليشغلهما عن نهي ربهما ؛ حتى ينسيا ذلك فيتناولا من تلك الشجرة على ما فعلا وفيما ذكر الخلود لأنه ليس بشيء ألذ ولا أشهى من الحياة.
والأشبه أن يقال : إنه لم ينسيا نهي الله إياهما عن التناول منها ولكن نسيا قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥] ؛ لذلك تناولا ، ولو ذكرا قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ما تناولا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ).
__________________
ـ ومما ذكر من وجوه التأويل : أن النهي ليس نصا في التحريم ، بل هو ظاهر فيه ، ويكون للتنزيه ؛ فيجوز أن آدم عليه الصلاة والسلام وجد عنده دليل يصرف النهي عما هو ظاهر فيه ، هذا ما يمكن أن يقال في جواب المتشبثين بقصة أكل آدم من الشجرة ، وفيه الكفاية.
وقد يتمسك في معصية آدم بآية الأعراف : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الأعراف : ١٨٩] ، وبيان تمسكهم بهذه الآية ـ على ما في «مفاتيح الغيب» للإمام الرازي ـ : أنهم يفسرون النفس الواحدة بآدم وأن زوجها المخلوقة منها هي حواء ، وحيث كان هذا فيكون الضمير في (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما)[الأعراف : ١٩٠] ، عائدا إليهما ، ويقتضي ذلك صدور الشرك منهما.
والجواب : أننا لا نسلم أن النفس الواحدة هي آدم ، وليس في الآية ما يدل عليه ، بل المراد بالنفس الواحدة : قصي وأن زوجته من جنسه ، يعني عربية ، يسكن إليها ، فلما آتاهما الله تعالى ما طلبا من الولد الصالح جعلا له شركاء فيما آتاهما ، بأن سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزى وعبد الدار وعبد قصي ، والضمير في قوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الأعراف : ١٩٠] لهما ولأعقابهما.
واعتمد هذا الجواب الإمام الرازي ولم يلتفت إلى سواه ، وأجاب غيره بعد تسليم كون مرجع الضمير إلى آدم وزوجه : أن ذلك كان قبل النبوة ، ولكن هذا الجواب معترض بما تقدم من أن الأنبياء معصومون من الكفر مطلقا قبل النبوة وبعدها. وأجيب عنه بأن الشرك المفهوم من الآية ليس هو المعهود وهو الشرك في الألوهية ، بل تسمية ولدهما عبد الحارث بوسوسة من الشيطان ، يدل عليه ما ورد عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما ولدت حواء طاف بها إبليس ، وكان لا يعيش لها ولد ، فقال لها : سميه عبد الحارث ؛ فإنه يعيش ، فسمته بذلك فعاش» ، فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره وليس ذلك كفرا ، بل هو ذنب يجوز صدوره قبل النبوة.
ينظر : عصمة الأنبياء (١٨ ـ ٢٤).
(١) في ب : والقول.
(٢) سقط في أ.