ذكر من نزع اللباس وإبداء العورة وهو ما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ).
قيل (١) : قبيله : جنوده وأعوانه ، حذرنا إبليس وأعوانه ؛ بما يروننا ولا نراهم ، فإن قيل : كيف كلفنا محاربته ، وهو [بحيث لا نراه وهو يرانا ومثله في غيره من الأعداء لا يكلفنا محاربة من لا نراه أو لا نقدر القيام بمحاربته وليس في وسعنا القيام بمحاربة من لا نراه قيل إنه لم يكلفنا محاربة أنفسهم ، إذ لم يجعل](٢) له السلطان على أنفسنا وإفساد مطاعمنا ومشاربنا وملابسنا ، ولو (٣) جعل لهم لأهلكوا أنفسنا وأفسدوا (٤) غذاءنا ، إنما جعل له السلطان في الوساوس فيما يوسوس في صدورنا ، وقد جعل لنا السبيل إلى معرفة وساوسه بالنظر والتفكر ، نحو قوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ...) [الأعراف : ٢٠٠] الآية ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) [المؤمنون : ٩٧] ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) [الأعراف : ٢٠١] علمنا ما به ندفع وساوسه وهمزاته (٥) ، وجعل (٦) لنا الوصول إلى دفع وساوسه بحجج وأسباب جعلت لنا ، فهذا يدل على أن الله يجوز أن يكلفنا بأشياء لم يعطنا أسباب تلك الأشياء ، بعد أن جعل في وسعنا الوصول إلى تلك الأسباب ، وإن لم يكن [لنا] وقت التكليف تلك الأسباب ، من نحو : الأمر بالصلاة ، وإن لم نكن على الطهارة (٧) ؛ إذ جعل في وسعنا الوصول إلى الطهارة ، ونحو الأمر بأداء الزكاة ، وإن لم
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٥٥) وأبو حيان في البحر (٤ / ٢٨٤).
(٢) بدل ما بين المعقوفين في أ : إن لم نجعل.
(٣) في ب : وإن.
(٤) في ب : وأهلكوا.
(٥) الهمز كالعصر ، ومنه : همزت الشيء في كفي ، أي : عصرته. ثم عبر به عن الاغتياب. والهمزة : الكثير الهمز كالهماز في قوله : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)[القلم : ١١]. وعن ابن الأعرابي : الهماز : المغتاب بالغيب ، واللماز : المغتاب بالحضرة ، قال الشاعر :
وإن اغتيب فأنت الهامز اللمزة
وعن شهر بن حوشب عن ابن عباس في تفسيره قال : هو المشاء بالنميمة ، المفرق بين الجماعة ، المغري بين الأحبة. قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ)[المؤمنون : ٩٧] أي : نزغاتهم وما يوسوسون به. وأصله من الهمز ، وهو الدفع. ومنه الحديث : «أما همزه فالموتة» وقال أبو عبيد : الموتة : الجنون ، سماه همزا ؛ لأنه حصله من النخس والغمز. وكل شيء غمزته فقد دفعته.
ينظر : عمدة الحفاظ (٤ / ٣٠٠ ، ٣٠١).
(٦) في ب : وبأسباب جعل.
(٧) الطهارة في اللغة : النظافة ، يقال : طهر الشيء ، بفتح الهاء وضمها ، يطهر بالضم ، طهارة فيهما ، والاسم : الطهر ، بالضم. وطهره تطهيرا ، وتطهر بالماء ، وهم قوم يتطهرون أي : يتنزهون من ـ