لا يجوز أن يقال لصبي : كافر أو مؤمن ، وهو الدوام والمقام فيه إلى وقت الموت ، وهو في [الدنيا] البداءة ، وفي الآخرة الإعادة ، وهو كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [الروم : ٢٧] ، وقوله : (يَبْدَؤُا) ليس يريد ابتداء نشوئه ؛ ولكن كونه في الدنيا ؛ فعلى ذلك قوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ...) الآية ، يخرج على وجهين :
أحدهما ، أي : كما كنتم في الدنيا تعودون في الآخرة كذلك : المؤمن مؤمن والكافر على كفره.
والثاني : كما أنشأكم في الدنيا لا (١) من شيء ؛ فعلى ذلك يبعثكم كذلك (٢) ، لا يعجزه شيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَرِيقاً هَدى).
بما هداهم الله بفضله.
(وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ).
بما اختاروا من فعل الضلال ؛ فأضلهم الله ؛ كقوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) [الرعد : ٢٧] ، وقوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) [الأعراف : ١٨٦].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).
__________________
ـ بدأ خلقكم» صار المخاطبون مفعولين في اللفظ.
قال شهاب الدين : يعني أن الأصل : كما بدأ خلقكم يعود خلقكم ، فحذف «الخلق» في الموضعين ، وصار المخاطبون في الأول مفعولين بعد أن كانوا مجرورين بالإضافة أيضا ، وفي الثاني صاروا فاعلين بعد أن كانوا مجرورين بالإضافة. و «بدأ» بالهمز : أنشأ واخترع ، ويستعمل بهذا المعنى ثلاثيا ورباعيا على «أفعل» ، فالثلاثي كهذه الآية ، وقد جمع بين الاستعمالين في قوله تعالى :
(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) [العنكبوت : ١٩] فهذا من «أبدأ» ، ثم قال : (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [العنكبوت : ٢٠] ، هذا فيما يتعدى بنفسه.
وأما ما يتعدى بالباء نحو : بدأت بكذا ، بمعنى : قدمته وجعلته أول الأشياء ، فيقال منه : بدأت به ، وابتدأت به.
وحكى الراغب أيضا أنه يقال من هذا : أبدأت به ، على «أفعل» ، وهو غريب.
وقولهم : أبدأت من أرض كذا ، أي : ابتدأت منها بالخروج. والبدء : السيد ، سمي بذلك ؛ قيل : لأنه يبدأ به في العد إذا عد السادات ، وذكروا عليه قوله :
فجئت قبورهم بدءا ولما |
|
فناديت القبور فلم يجبنه |
أي جئت قبور قومي سيدا ولم أكن سيدا ، لكن بموتهم صيّرت سيدا ، وهذا ينظر لقول الآخر :
خلت الديار فسدت غير مسود |
|
ومن العناء تفردي بالسؤدد |
ينظر : اللباب في علوم الكتاب (٩ / ٨٢ ـ ٨٣) ، والدر المصون (٣ / ٢٥٨).
(١) في أ : إلا.
(٢) في أ : لذلك.