وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).
اختلف فيه ؛ قيل (١) : (أَقِيمُوا) ، أي : سووا وجوهكم نحو الكعبة ، (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، أي : في كل مكان تكونون فيه ، وهو كقوله : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) [يونس : ٨٧] أي : اجعلوا بيوتكم نحو الكعبة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة : ١٤٤].
وقيل (٢) : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ) ، أي : اجعلوا عبادتكم لله ، ولا تشركوا فيها غيره ؛ كقوله : (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، ويشبه أن يكون الوجه كناية وعبارة عن الأنفس ؛ كأنه قال : أقيموا أنفسكم لله ، لا تشركوا فيها لأحد شركا كقوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) [لقمان : ٢٢] أي (٣) بجعل نفسه لله سالما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).
يحتمل الدعاء نفسه ، أي : ادعوه ربّا خالقا ورحمانا ، (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) : بالوحدانية والألوهية والربوبية.
ويحتمل قوله : (وَادْعُوهُ) ، أي : اعبدوه مخلصين له العبادة ، ولا تشركوا غيره فيها.
ويحتمل : أي دينوا بدينه الذي دعاكم إلى ذلك وأمركم به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).
قال قائلون : هو صلة قوله : (فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) [الأعراف : ٢٥] ؛ كأنهم سألوا مما يعودون إذا بعثوا ، فقال : (كَما بَدَأَكُمْ) : خلقكم ، (تَعُودُونَ) مثله.
ويحتمل أن يكون هو صلة قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [التغابن : ٢] ، يعودون كما كانوا في البداءة : الكافر كافرا ، والمؤمن مؤمنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) : هو من الدائمة ، ليس من الابتداء (٤) ؛ لأنه
__________________
(١) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ٤٦٤) (١٤٤٧٧ ، ١٤٤٧٨ ، ١٤٤٨٠) عن مجاهد ، و (١٤٤٧٩) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤٣) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد ، ولابن أبي حاتم عن أبي العالية.
(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ٤٦٥) (١٤٤٨٢ ، ١٤٤٨٣) عن الربيع بن أنس ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤٣) وعزاه لابن أبي حاتم عن أبي العالية.
(٣) في أ : أتى.
(٤) قال الفارسي : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الأعراف : ٢٩] ليس على ظاهره ؛ إذ ظاهره : تعودون على البدء ، وليس المعنى تشبيههم بالبدء ؛ إنما المعنى على إعادة الخلق كما ابتدأ ، فتقدير (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) : كما بدأ خلقكم ، أي : يحيي خلقكم عودا كبدئه ، وكما أنه لم يعن بالبدء ظاهره من غير حذف المضاف إليه ، كذلك لم يعن بالعود من غير حذف المضاف الذي هو الخلق ، فلما حذف قام المضاف إليه مقام الفاعل ؛ فصار الفاعلون مخاطبين. كما أنه لما حذف المضاف من قوله : «كما ـ