المتبوعين والأتباع جميعا معا والعرب تضع حروف الخفض بعضها في موضع بعض ؛ كقوله : (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) [الفجر : ٢٩] ، قيل : مع عبادي. ويحتمل «في» موضعه كأن المتبوعين يدخلون النار قبل الأتباع [فقيل لهؤلاء الأتباع](١)(ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ). وفيه دليل أن الكفار من الجن يعذبون كما يعذب الكفار من الإنس.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها).
لعن الأتباع المتبوعين ؛ لما هم دعوهم إلى ذلك ، وهم صرفوهم (٢) عن دين الله ؛ كقولهم : (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً ....) [سبأ : ٣٣] ، وكقوله : (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ...) [سبأ : ٣٣] ، وغير ذلك من الآيات.
ولعن المتبوعون الأتباع ؛ لما يزداد لهم العذاب بكثرة الأتباع وبقدرهم ؛ فيلعن بعضهم بعضا.
وفيه دليل (٣) أن أهل الكفر وإن اختلفوا في مذاهبهم فهم إخوة وأخوات بعضهم لبعض ، كالمؤمنين [بعضهم](٤) إخوة وأخوات لبعض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً).
قال بعضهم (٥) : هو من التدارك ، أي : حتى إذا تداركوا وتتابعوا فيها.
وقيل : هو من الدرك ؛ لأن النار دركات ، لا يزال أهل النار يهوون فيها لا قرار لهم في ذلك ؛ [و](٦) في القرار بعض التسلي والراحة ، فلا يزالون يهوون فيها دركا فدركا.
وقيل : ولذلك سميت هاوية.
وقيل (٧) : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) ، أي : اجتمعوا فيها ؛ فعند ذلك يتلاوم بعضهم بعضا ، فإن كان على التدارك فهو كقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) [الصافات : ٢٢] ، وإن كان على الاجتماع فهو للتضييق ؛ كقوله : (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ) [الفرقان : ١٣] الآية ، ويجتمعون يلعن بعضهم بعضا.
__________________
(١) في أ : بهؤلاء.
(٢) في أ : صرفوا.
(٣) في أ : دلالة.
(٤) سقط في أ.
(٥) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٢٩٨) ، والبغوي في التفسير (٢ / ١٥٩).
(٦) في أ : إن.
(٧) ذكره ابن جرير (٥ / ٤٨٢) ، والبغوي في التفسير (٢ / ١٥٩) ، وأبو حيان في البحر (٤ / ٢٩٨).