والنزول ، ويحتمل أن يكون المراد بالرحمة صفته ، فيكون تأويله : إن منفعة رحمة الله قريب من المحسنين.
وقال الحسن : إن رحمة الله ـ وهي الجنة ـ قريب من الخائفين.
وقال بعضهم : في قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) أي : إجابة الله قريب إلى من استجاب دعاءه ، ويحتمل ما ذكرنا من منفعة رحمة الله قريب إلى من ذكر.
ثم المحسنين يحتمل المحسنين إلى أنفسهم ، أو المحسنين إلى خلقه ، أو المحسنين إلى نعم الله ، أي : أحسنوا صحبة نعمه ، والقيام لشكرها ، واجتناب الكفران بها. أو يريد الموحدين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).
يذكرهم عزوجل في هذا حكمته وقدرته ونعمه ؛ ليحتج بها عليهم بالبعث ، أما حكمته فبما يرسل الرياح والأمطار ، ويسوقها إلى المكان الذي يريد أن يمطر فيه ما لم يعاينوا ذلك وشاهدوه ما عرفوا ، أن كيف يرسل المطر من السماء ، وكيف يرسل الريح ، ويسوق السحاب ، ففي ذلك تذكير حكمته إياهم. وأما نعمه : فهو ما يسوق السحاب بالريح إلى المكان الذي فيه حاجة إلى المطر ، فيرسل على ذلك المكان المطر ، وذلك من عظيم نعمه ؛ ليعلم أن ذلك كان برحمته ، لا أنهم كانوا مستوجبين لذلك.
وأما ما ذكرهم من قدرته : فهو ما ذكر من إحياء الأرض بعد ما كان ميتة ؛ ليعلم أن الذي قدر على إحياء الأرض ، وإخراج النبات والثمر بعد ما كان ميتا ، لقادر على إحياء الموتى وبعثهم بعد موتهم ، على ما قدر على إحياء الأرض بالنبات وإحياء النخل بالثمار بعد ما كان علم (١) كلّ أن لا نبات فيها ولا ثمار فيه ؛ فإذا خرج النبات منها والثمار من النخيل على ما خرج في العام الأول ، دل ذلك على وحدانيته وقدرته على إحياء الموتى وبعثهم بعد ما ماتوا وصاروا ترابا على قدر ما ذكرنا ، والله أعلم.
وفي قوله : (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) دلالة ألا تفهم من اليدين الجارحتين على ما يفهم من الخلق ، كما لم يفهم أحد بذكر اليد في المطر الجارحة ؛ لأنه لا جارحة له ؛ فعلى ذلك لا يفهم من ذكر اليد له الجارحة من قوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٤٦] ، وكذلك قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] لم يفهم من قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) الجارحة للقرآن ، فعلى ذلك لا يفهم [مما ذكر](٢) من يديه
__________________
(١) في ب : بعد ما علم.
(٢) في أ : ما ذكر.