تفضيل بعض البشر على بعض ، وفي وضع الرسالة فيهم ـ أعني في الرسل ـ تفضيلهم ، وذلك قد رأوا فيما بينهم ، ولله تفضيل بعضهم على بعض ؛ إذ له الخلق والأمر ، [ولكل](١) ذي ملك وسلطان أن يصنع في ملكه ما شاء من تفضيل بعض على بعض وغيره.
أو يقول : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : على يدي رجل منكم ، ولو كان جاء الذكر على من هو من غير جوهركم ، كان في ذلك لبس واشتباه عليكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيُنْذِرَكُمْ) عذاب الله : ولتتقوا معاصيه (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) : إن اتقيتم ما نهاكم (٢) [عنه](٣) ، أو كان في قومه من يجوز أن يرحم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكَذَّبُوهُ).
يعني نوحا [فيما](٤) دعاهم إلى عبادة الله ووحدانيته ، ونهاهم عن عبادة غير الله ، أو كذبوه فيما آتاهم من آيات نبوته ورسالته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنْجَيْناهُ).
يعني نوحا ، والذين آمنوا في الفلك (٥).
(وَأَغْرَقْنَا).
الذين كذبوا بآياتنا ، إذا كان إهلاك القوم إهلاك تعذيب وعقوبة ، ينجي أولياءه ويبقيهم إلى الآجال التي قدر لهم ، ويكون ذلك نجاة لهم من ذلك العذاب الذي حل بالأعداء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) : [أي : بآياتنا](٦) التي جعلناها (٧) لإثبات
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : نهيتكم.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) الفلك : السفينة ، ويكون جمعا ، ويكون واحدا ؛ فمن الأول قوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) فأعاد ضمير الجمع على لفظ الفلك. ومن الثاني قوله تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) فوصفه بالمفرد ، وهذا مما خرج عن القاعدة ، فكان لفظ مفرده كلفظ جمعه ، وهو جمع تكسير ، وعند الأخفش مما اشترك فيه لفظ الواحد والجمع كجنب وشلل ورد سيبويه هذا بقولهم : فلكان في التثنية.
وقيل : فلك جمع فلك ، نحو أسد وأسد ، والفلك كل ما استدار ومنه فلكة المغزل وفلكت الجدي : جعلت في لسانه مثل فلكة المغزل لتمنعه من الرضاع. وفي حديث ابن مسعود : «تركت فرسي كأنه يدور في فلك» قال بعض الأعراب : الفلك : الموج إذا هاج البحر واضطرب ، وذلك أنه أصابته عين.
ينظر عمدة الحفاظ (٣ / ٢٩٨) ، ومعاني القرآن للأخفش (٢ / ٥٦٦) ، والنهاية (٣ / ٤٧٢).
(٦) سقط في أ.
(٧) في ب : جعلناه.