على أي حال استقبلتموني ، أو يقول : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) رسالته التي أرسلها إلىّ.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) يحتمل قوله : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) : أي : أدعوكم وآمركم إلى ما فيه صلاحكم ، وأنهاكم عما فيه فسادكم ، والنصيحة هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح ، والنهي عما فيه الفساد ، وتكون النصيحة لهم ، ولجميع المؤمنين.
روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : «ألا إن الدين النصيحة قيل : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولرسوله (١) [ولجميع المؤمنين]» (٢).
قال الشيخ أبو الفداء (٣) الحكيم (٤) ـ رحمة الله عليه ـ : النصيحة : هي النهاية من صدق العناية ، ثم أخبر أنه يبلغهم رسالات به (٥) ، ولم يبين فيم ذا؟! في كتاب أنزله عليه ، أو بوحي (٦) في غير كتاب يوحى إليه ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى التصديق له فيما يبلغ إليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
قد أتاه من الله العلم بأشياء ما لم يأت أولئك مثله ، وهو كقول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لأبيه : (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي) [مريم : ٤٣] ، ويحتمل قوله : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ) من العذاب أنه (٧) ينزل بكم (ما لا تَعْلَمُونَ) أنتم إذا دمتم (٨) على ما أنتم عليه.
وقوله : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
أي : تعجبون بما جاءكم ذكر من الله على يدي رجل منكم ما لا أقدر أنا ولا تقدرون أنتم على مثله ، كانوا يعجبون وينكرون أن يكون رسل الله من البشر بقولهم : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون : ٢٤] ، (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) ، ونحو ذلك (٩) كانوا ينكرون رسالة البشر وما ينبغي لهم أن ينكروا ذلك ؛ لأنهم قد كانوا رأوا
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٣١٢ ، ٣١٣) كتاب : الإيمان ، باب : بيان أن الدين النصيحة (٩٥ / ٥٥) ، وأحمد في المسند (٤ / ١٠٢) ، وأبو داود (٢ / ٧٠٤) (٤٩٤٤) كتاب الأدب : باب في النصيحة ، والنسائي (٧ / ١٥٦) ، والحميدي (٨٣٧) عن تميم الداري.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : القاسم. وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
(٤) لم أعثر له على ترجمة.
(٥) في ب : ربي.
(٦) في أ : يوحى.
(٧) في أ : أن.
(٨) في أ : أدمتم.
(٩) في ب : ونحو هذا.