مخالفة بنيتها بنية غيرها ؛ إما خلقة ، وإما في ابتداء إحداثها وإنشائها أو في أي شيء كان ، فأضافها إليه لذلك ، والله أعلم.
ثم لا يجب أن يتكلف المعنى الذي له جعل الناقة آية ؛ لأنه ـ جلّ وعلا ـ لم يبين لنا ذلك المعنى ، فلو تكلف ذكر ذلك فلعله يخرج على خلاف ما كان في الكتب الماضية ، فهذه القصص وأخبار الأمم الماضية إنما ذكرت في القرآن ؛ لتكون آية لرسالة محمد ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ فلو ذكرت على خلاف ما كان [كان] لهم في ذلك مقال.
ويحتمل معنى الإضافة إليه وجها آخر ، وهو : أنه لم يجعل منافع هذه الناقة لهم ، ولا جعل عليهم (١) مئونتها (٢) ، بل أخبر أن ذروها تأكل في أرض الله ، جعل مئونتها فيما يخرج من الأرض ، ليست كسائر النوق التي جعل مئونتها عليهم ، ومنافعها لهم بإزاء ما جعل عليهم من المؤن ، فمعنى التخصيص بالإضافة إليه لما لم يشرك فيها أحدا ولا في منافعها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ).
دلالة أن تلك الناقة كان غذاؤها مثل غذاء سائر النوق ، وإن كانت خارجة عن طباع سائر النوق من جهة الآية ؛ ليعلم أنها وإن كانت آية لرسالته ودلالة لنبوته (٣) فتشابهها لسائر النوق في هذه الجهة لا يخرجها عن حكم الآية ، فعلى ذلك الرسل وإن كانوا ساووا غيرهم من الناس في المطعم والغذاء لا يمنع ذلك من أن يكونوا رسلا ، والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ).
يحتمل : لا تتعرضوا لها قتلا ولا قطعا ولا عقرا (٤) لما ليست هي لهم ، (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ
__________________
(١) في ب : لهم.
(٢) يقال : مانه ـ مونا : احتمله وقام بكفايته فهو ممون. تقول : مان الرجل أهله كفاهم ، يقال تمون فلان : أكثر النفقة على عياله والمئونة : القوت وما يدخر منه. ينظر : المعجم الوسيط (٢ / ٨٩٢) (مان).
(٣) في أ : النبوة.
(٤) العقر ـ بفتح العين ـ لغة الجرح ، يقال : عقر الفرس والبعير بالسيف عقرا : قطع قوائمه ، وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم ، والعقر لا يكون إلا في القوائم ، ثم جعل النحر عقرا ؛ لأن ناحر الإبل يعقرها ثم ينحرها ، والعقيرة : ما عقر من صيد أو غيره.
وقد استعمله الفقهاء بالمعنيين الواردين.
أحدهما : بمعنى الجرح ، وهو الإصابة القاتلة للحيوان في أي موضع من بدنه إذا كان غير مقدور عليه.
جاء في الشرح الصغير للمالكية : العقر : جرح مسلم مميز وحشيّا غير مقدور عليه إلا بعسر.
وفي البدائع : الجرح في أي موضع كان ، وذلك في الصيد وما هو في معنى الصيد.
والثاني : بمعنى ضرب قوائم الحيوانات.
ينظر : لسان العرب (عقر) ، والمصباح المنير (عقر) ، وبدائع الصنائع (٥ / ٤٣) ، والشرح الصغير (١ / ٣١٥) ، وحاشية ابن عابدين (٣ / ٢٣٠).