له : مه ، أي : اسكت ، كما يقول الرجل لآخر : مه (١) ، أي ، اسكت ، «ما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين».
والسحر : هو التحيير ، وأخذ الأبصار ، ولا حقيقة له ؛ كقوله : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) [الإسراء : ١٠١] أي : متحيرا ، وقوله : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) [الأعراف : ١١٦].
ثم دل قولهم : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) أن ما قالوا : إن هذا ساحر ، وإنه سحر عن علم بالآية والنبوة له قالوا ذلك ، لا عن جهل وغفلة حيث قالوا : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) ذلك منهم إياس من (٢) الإيمان به ، وقبول الآيات لأنهم أخبروا أنهم لا يقبلون الآيات ، ولا يصدقونه في ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ ...) إلى آخر ما ذكر.
قال أهل التأويل : [لما قالوا ذلك](٣) أرسل الله بعد السنين ونقص الثمرات الطوفان والآيات التي ذكر ، ويحتمل أن يكون هذا وإن كان مؤخرا في الذكر فهو مقدم ؛ لما قال : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ) إلى آخره. (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي : يتعظون.
ثم اختلف أهل التأويل في الطوفان :
قال بعضهم (٤) : [الطوفان](٥) : الماء والمطر حتى خافوا الهلاك ، وهو قول ابن عباس.
وعن عائشة (٦) ، قالت : «سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الطوفان ، فقال : الموت» ، فإن ثبت فهو هو.
وقيل : الطوفان : هو أنواع العذاب.
__________________
(١) «مه» : اسم فعل بمعنى : اكفف ، ومعناه الزجر والإسكات والأمر بالتوقف على ما يريد المريد ، كأن قائلا يريد الكلام بشيء أو فاعلا يريد فعلا ، فيقال له : مه ، أي : كف ولا تفعل.
ينظر : مصابيح المغاني (ص ٤٧٠) ، والصحاح (مهه) ، والصاحبي (٢٧٥).
(٢) في أ : عن.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ٣٢) (١٥٠٠٤) (١٥٠٢٨) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٠٤) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٥) سقط في ب.
(٦) أخرجه ابن جرير (٦ / ٣٢) (١٥٠٠٥) بنحوه ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٠٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه عن عائشة.