ويحتمل : آيات البعث ، كذبوا بذلك كله ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (صُمٌّ وَبُكْمٌ).
هو ما ذكرنا أنه نفى عنهم السمع ، واللسان ، والبصر ؛ لما لم يعرفوا نعمة السمع ، ونعمة البصر ، ونعمة اللسان.
ولا يجوز أن يجعل لهم السمع والبصر واللسان ، ثم لا يعلمهم ما يسمعون بالسمع ، وما ينطقون باللسان ، دل أنه يحتاج (١) إلى رسول يسمعون [منه](٢) ، ويستمعون إليه ، وينطقون ما علمهم ، فإذا لم يفعلوا صاروا كما ذكر (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨] لما لم ينتفعوا به ، ولم يعرفوا نعمته التي جعل لهم فيما ذكر.
أو نفى عنهم السمع والبصر واللسان ؛ لما ذكرنا أن السمع والبصر ، والحياة على ضربين : مكتسب ، ومنشأ ، فنفي عنهم السمع المكتسب ، والبصر المكتسب ، والحياة المكتسبة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي الظُّلُماتِ).
يحتمل وجهين :
يحتمل : ظلمات الجهل والكفر.
والثاني : هم في ظلمات : يعني ظلمات السمع ، والبصر ، والقلب.
وهم في الظلمتين جميعا : في ظلمة الجهل والكفر ، وظلمة السمع ، والبصر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) [النور : ٤٠] ، والمؤمن في النور ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (نُورٌ عَلى نُورٍ) [النور : ٣٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وصف ـ عزوجل ـ نفسه بالقدرة ، وجعلهم جميعا متقلبين في مشيئته ، وأخبر أنه شاء لبعضهم الضلال ، ولبعضهم الهدى ، فمن قال : إنه شاء للكل الهدى [لكن](٣) لم يهتدوا ، أو شاء للكل الضلال ـ فهو خلاف ما ذكره عزوجل ؛ لأنه أخبر أنه شاء الضلال لمن ضل ، وشاء الهدى لمن اهتدى.
وأصله : أنه إذا علم من الكافر أنه يختار (٤) الكفر ، شاء أن يضل وخلق فعل الكفر منه ،
__________________
(١) في ب : محتاج.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : مختار.