تاب يغفر الله له ما كان منه في حال الكفر والشرك كقوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ...) الآية ، وقوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨].
وجائز أن تكون في المؤمنين.
ثم ذكر عملا بجهالة وإن لم يكن يعمل بالجهل لأن الفعل فعل الجهل وإن كان فعله لم يكن على الجهل ؛ وكذلك ما ذكر من النسيان والخطأ في الفعل ؛ لأن فعله فعل ناس وفعل مخطئ وإن لم يفعله الكافر على النسيان والخطأ ، وإلا لو كان على حقيقة الخطأ والنسيان لكان لا يؤاخذ به ؛ لقوله (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) [الأحزاب : ٥] لكن الوجه ما ذكرنا أن الفعل فعل نسيان وخطأ وإن لم يكن ناسيا ولا مخطئا فيه ، وعلى ذلك [الفعل] فعل جهل وإن لم يكن جاهلا والفعل فعل جهل وإن لم يكن بالجهل ، والمؤمن جميع ما يتعاطى من المساوي يكون لجهالة ؛ لأنه إنما يعمل السوء إما لغلبة شهوة أو للاعتماد على كرم ربه بالعفو عنه والصفح عن ذلك ويعمل السوء على نية التوبة والعزم عليها في آخره. على هذه الوجوه الثلاثة يقع المؤمن في المعصية وأما على التعمد فلا يعمل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) قرئ بالياء والتاء جميعا.
فمن قرأ بالتاء نصب السبيل بجعل الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أي : لتعرف سبيل المجرمين.
ومن قرأ بالياء رفع «السبيل» كأنه قال نفصل الآيات وجوها.
أي : نبين الآيات ما يعرف السامعون أنها آيات من عند الله غير مخترعة من عند الخلق ولا مفتراة ما يبين سبيل المجرمين من سبيل المهتدين.
والثاني : نفصل الآيات ما بالخلق حاجة إليها وإلى معرفتها.
والثالث : نبين من الآيات ما بين المختلفين ، أي : بين سبيل المجرمين وبين سبيل المهتدين.
(وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) تأويله ما ذكرنا أن من قرأ بالتاء حمله على خطاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أي : نبين من الآيات لتعرف سبيل المجرمين بالنصب.
ومن قرأ بالياء نبين من الآيات ليتبين سبيل المجرمين من سبيل غير المجرمين ، والله أعلم.