وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات لأجل عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ المركبات فلا بد من الاشتراك فيها وهو فاسد لوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني لاستدعائه الاوضاع غير المتناهية ، ولو سلم لم يكد يجدي إلا في مقدار متناه ، مضافا إلى تناهي المعاني الكلية وجزئياتها وان كانت غير متناهية ، إلا ان وضع الألفاظ بازاء كلياتها يغني عن وضع لفظ بازائها كما لا يخفى ، مع أن المجاز باب واسع ـ فافهم (١).
______________________________________________________
والجواب عنها إنا أولا : نختار الشق الأول ، ونقول : انه يستعمل المشترك مع الاتكال على القرينة ولكن لا يلزم التطويل بلا طائل ، كما لو كانت القرينة بنفسها مقصودة لوقوعها ـ مثلا ـ جزء في الجملة كما لو قيل : اسد كلمني ، فان كلمني كما أنها كانت قرينة على ان المراد من الاسد هو الرجل الشجاع لأن المفترس لا يتكلم قد وقعت خبرا عن المبتدأ ، فلا يلزم من استعمال مثل هذه القرينة التطويل بلا طائل ، كما ربما يكون نفس التطويل من البلاغة ، كما لو كان الكلام مع المحبوب ومن يرغب بمزيد التكلم معه فان من البلاغة تطويل الكلام ، واستعمال القرائن والألفاظ المشتركة لأجل أن يطول الكلام معه ولا يكون تطويلا بلا طائل.
وثانيا : نختار الشق الثاني ، ونمنع كون الاجمال غير لائق بكلامه جل وعلا ، لأن الغرض كما يتعلق بالمبين يتعلق أيضا بالمجمل والمشتبه أيضا ، كما اخبر عزوجل عن وقوع المشتبه في كتابه الكريم فقال تعالى مخبرا عن كتابه المجيد : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(١).
(١) وانه لا يعقل استغناء اللغات عنه ويجب وقوعه فيها ببرهان.
__________________
(١) آل عمران : الآية ٧.