لا يقال : كيف؟ وقد قيل : بأن أكثر المحاورات مجازات. فإن ذلك لو سلم ، فإنما هو لاجل تعدد المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى الحقيقي الواحد (١).
______________________________________________________
(١) اورد هذا المعترض على نفسه : بأن ما تدعيه ـ من كون الحكمة تقتضي توسعة المعنى الموضوع له تقليلا للمجاز ـ ينافي ما هو المعروف من ان اكثر المحاورات مجازات. ولو كانت المجازية منافية لحكمة الوضع لما كانت المحاورات المجازية اكثر من المحاورات الحقيقية ، فان معنى كثرة المحاورات المجازية هو كثرة الاستعمال المجازي ، فلا بد حينئذ ان لا تكون كثرة الاستعمال المجازي منافية لحكمة الوضع فاجاب عن ذلك بقوله : «فان ذلك لو سلم ... الخ». وقد اجاب بجوابين :
الاول : ما اشار اليه بقوله : «لو سلم» وحاصله : انه لا نسلم هذا المعروف ، بل نقول : ان الاستعمالات الحقيقية والمحاورات المبنيّة على استعمال اللفظ فيما وضع له اكثر من الاستعمالات المجازية.
والثاني : انّا نسلم هذا المعروف ، ولكن نقول : ان معنى قولهم اكثر المحاورات مجازات انما هو لأن المعاني المجازية متعددة ، فان لفظ الاسد الموضوع للحيوان المفترس له مناسبات كثيرة : الرجل الشجاع ، والرجل الاغر ، والرجل الكريه المنظر ، والرجل الشرس الاخلاق ، وغيرها فان مجموع هذه المجازات اكثر استعمالا من الاستعمال الحقيقي ، لا ان كل واحد من المجازات اكثر من المعنى الحقيقي ، فالمجازات باعتبار تعددها تكون اكثر ، لا كل واحد منها يكون اكثر.
والمنافي لحكمة الوضع هو ان يكون كل واحد من المجازات استعمال اللفظ فيه اكثر من الاستعمال في المعنى الحقيقي والى هذا اشار بقوله : «لو سلم فانما هو» : أي لو سلم كثرة المحاورات المجازية فان هذه الكثرة انما هي لاجل تعدد المعاني المجازية ، فهي بمجموعها اكثر من المعنى الحقيقي الواحد ، لا كل واحد منها اكثر من المعنى الحقيقي.