في الأمارة (الناظرة إلى الواقع ، أي التي كان لهاجهة كاشفيّة) هو جعلها علما تعبّديّا في حكم الشارع (أي أعتبر الظنّ الحاصل منها بمنزلة العلم) فيصبح الطريق (الظنّي) المعتبر فردا من أفراد العلم ، لكنّه تعبّدا لا وجدانا. فيترتّب عليه جميع ما يترتّب على القطع (العلم) من آثار. فيصحّ الإخبار على طبقه كما يصحّ الإخبار طبق العلم الوجداني ولا يكون قولا بغير علم» (١).
وعليه فلا فرق في ذلك بين الأخبار المتكفّلة لبيان حكم شرعي أو غيره ، كما في التفسير وسائر شؤون الدين.
وقال ـ في مباحثه عن حجيّة الظنّ ـ : إن كان الظنّ متعلّقا بما يجب التباني وعقد القلب عليه والتسليم والانقياد له ، كتفاصيل البرزخ وتفاصيل المعاد ووقائع يوم القيامة وتفاصيل الصراط والميزان ونحو ذلك مما لا تجب معرفته ، وإنّما الواجب عقد القلب عليه والانقياد له على تقدير إخبار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإن كان المتعلّق بهذه الأمور من الظنون الخاصّة (الثابتة حجّيتها بغير دليل الانسداد) فهو حجّة ، بمعنى أنّه لا مانع من الالتزام بمتعلّقه وعقد القلب عليه ، لأنّه ثابت بالتعبّد الشرعي.
بلا فرق بين أن تكون الحجيّة بمعنى جعل الطريقيّة ـ كما اخترناه ـ أو بمعنى جعل المنجّزيّة والمعذّريّة ـ كما اختاره صاحب الكفاية ـ.
وأمّا الظنّ المتعلّق بالأمور التكوينيّة أو التاريخيّة ، كالظنّ بأنّ تحت الأرض كذا أو فوق السماء كذا. والظنّ بأحوال أهل القرون الماضية وكيفيّة حياتهم ونحو ذلك ، فإن كان الظنّ من الظنون الخاصّة ، فلا بدّ من التفصيل بين مسلكنا ومسلك صاحب الكفاية رحمهالله ، فإنّه على مسلكنا من أنّ معنى الحجيّة جعل غير العلم علما بالتعبّد ، يكون الظنّ المذكور حجّة ، باعتبار أثر واحد وهو جواز الإخبار بمتعلّقه. فإذا قام ظنّ خاصّ على قضيّة تاريخيّة أو تكوينيّة ، جاز لنا الإخبار بتلك القضيّة ، بمقتضى حجيّة الظنّ المذكور ، لأنّ جواز الإخبار عن الشيء منوط بالعلم به ، وقد علمنا به بالتعبّد الشرعي. وهذا بخلاف مسلك صاحب الكفاية إذ لا أثر شرعيّا للموجودات الخارجيّة أو القضايا التاريخيّة ليكون الظنّ منجّزا أو معذّرا بالنسبة إليه. وأمّا جواز الإخبار عن شيء فهو فرع
__________________
(١) راجع : البيان : ٤٢١.