دون ناس. فهو في كلّ زمان جديد ، وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة» (١).
[م / ٩] قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه الصدوق ـ عليه الرحمة ـ : حدّثنا الحاكم أبو عليّ ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى الصوليّ ، قال : حدّثنا محمّد بن موسى الرازيّ ، قال : حدّثني أبي قال : ذكر الرضا عليهالسلام يوما القرآن ، فعظّم الحجّة فيه ، والآية المعجزة في نظمه. فقال : «هو حبل الله المتين ، وعروته الوثقى ، وطريقته المثلى ، المؤدّي إلى الجنّة ، والمنجي من النار ، لا يخلق على الأزمنة ، ولا يغثّ على الألسنة ، لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان ، بل جعل دليل البرهان والحجّة على كلّ إنسان (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)» (٢).
[م / ١٠] وروى القاضي أبو محمّد عبد الحقّ ابن عطيّة الأندلسي في مقدّمة تفسيره «المحرّر الوجيز» عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام ، «قيل له : لم صار الشعر والخطب يملّ ما أعيد منها ، والقرآن لا يملّ؟ فقال : لأنّ القرآن حجّة على أهل الدهر الثاني ، كما هو حجّة على أهل الدهر الأوّل ، فكلّ طائفة تتلقّاه غضّا جديدا. ولأنّ كلّ امرئ في نفسه متى أعاده وفكّر فيه ، تلقّى منه في كلّ مرّة علوما غضّة ، وليس هذا كلّه في الشعر والخطب» (٣).
[م / ١١] روى المولى العلّامة العارف أحمد بن فهد الحلّي في الباب السادس من كتابه «عدّة الداعي» من طريق حفص بن غياث عن الزهري ، قال : سمعت الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهالسلام يقول : «آيات القرآن خزائن العلم ، فكلّما فتحت خزانة ، فينبغي لك أن تنظر ما فيها» (٤).
[م / ١٢] ومن ثمّ قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ـ بشأن الاستنباط من القرآن والسعي في استخراج لئاليه ـ : «ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق. ولكن أخبركم عنه : ألا إنّ فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم» (٥).
قوله عليهالسلام : «فاستنطقوه ولن ينطق» أي لا بدّ من التدبّر فيه والتعمّق في مطاويه ، واستفراغ الوسع في استنباط معانيه ، فإنّ له ظاهرا محدودا حسب موارد التنزيل ، وباطنا متّسعا سعة الآفاق ،
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٩٣ / ٣٢ ؛ البحار ٢ : ٢٨٠ / ٤٤. و ٨٩ : ١٥ / ٨.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٣٧ ـ ١٣٨ / ٩ ؛ البحار ٨٩ : ١٤ / ٦. والآية من سورة فصّلت ٤١ : ٤٢.
(٣) المحرّر الوجيز ١ : ٣٦.
(٤) عدّة الداعي : ٢٦٧ ، باب ٦ (في تلاوة القرآن) ؛ البحار ٨٩ : ٢١٦ / ٢٢.
(٥) نهج البلاغة ٢ : ٥٤ ، الخطبة ١٥٨.