فواتحه (١).
وقال الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : إنّ لكلّ كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي. وفسّره الآخرون ، فقال سعيد بن جبير : هي أسماء الله مقطّعة ، لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم ، ألا ترى أنّك تقول : (الر)(٢) وتقول : (حم)(٣) وتقول : (ن)(٤) فيكون الرحمان ، وكذلك سائرها على هذا الوجه ، إلّا أنّا لا نقدر على وصلها والجمع بينها.
وقال قتادة : هي أسماء القرآن.
وقال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم : هي أسماء للسور المفتتحة بها.
وقال ابن عبّاس : هي أقسام أقسم الله بها ، وروي أنّه ثناء أثنى الله به على نفسه.
وقال أبو العالية : ليس منها حرف إلّا وهو مفتاح لإسم من أسماء الله عزوجل ، وليس منها حرف إلّا وهو في آلائه وبلائه ، وليس منها حرف إلّا في مدّة قوم وآجال آخرين.
وقال عبد العزيز بن يحيى : معنى هذه الحروف : أنّ الله ذكرها ، فقال : اسمعوها مقطّعة ، حتّى إذا وردت عليكم مؤلّفة كنتم قد عرفتموها قبل ذلك ، وكذلك يعلّم الصبيان أوّلا مقطّعة ، وكان الله أسمعهم مقطّعة مفردة ، ليعرفوها إذا وردت عليهم ، ثمّ أسمعهم مؤلّفة.
وقال أبو روق : إنّها تكتب للكفّار ، وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلّها ، وكان المشركون يقولون : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ.)
فربما صفّقوا وربما صفّروا وربما لغطوا ليغلّطوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك أسرّ في الظهر والعصر وجهر في سائرها ، وكانوا يضايقونه ويؤذونه ، فأنزل الله تعالى هذه الحروف المقطعة ، فلمّا سمعوها بقوا متحيرين متفكّرين ، فاشتغلوا بذلك عن إيذائه وتغليطه ، فكان ذلك سببا لاستماعهم وطريقا إلى انتفاعهم.
وقال الأخفش : إنّما أقسم الله بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها ، ولأنّها مباني كتبه المنزلة
__________________
(١) الطبري ١ : ١٣٢. ونسبه الثعلبي (١ : ١٣٦) إلى أبي بكر ، ولم يثبت في مستند وثيق ، والجوامع التفسيريّة والحديثيّة قبله خلو عن هذا الاستناد. نعم نسبه أبو بكر ابن الأنباري (النحوي اللغوي العلّامة. ت ٣٢٨) إلى الربيع بن خثيم. ثمّ قال : قال أبو بكر : فهذا يوضّح أنّ حروفا من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم. إلى آخر ما يأتي في كلام القرطبي. فلعلّ الإمام الثعلبي زعمه أبا بكر الصدّيق وهو غريب!
(٢) الحجر ١٥ : ١.
(٣) الدخان ٤٤ : ١.
(٤) القلم ٦٨ : ١.