بالألسن المختلفة ، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وأصول كلام الأمم بما يتعارفون ويذكرون الله ويوحّدونه ، وكأنّه أقسم بهذه الحروف إنّ القرآن كتابه وكلامه لا ريب فيه.
وقال النقيب : هي النبهة والاستئناف ليعلم أنّ الكلام الأوّل قد انقطع ، كقولك : ولا ، إنّ زيدا ذهب.
وأحسن الأقاويل فيه وأمتنها ، أنّها إظهار لإعجاز القرآن وصدق محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ وذلك أنّ كلّ حرف منه من هذه الحروف الثمانية والعشرين (١).
والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كلّه كقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)(٢) أي صلّوا لا يصلّون ، وقوله : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)(٣) فعبّر بالركوع والسجود عن الصلاة إذ كانا من أركانها ، وقال : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)(٤) أراد جميع أبدانكم.
وقال : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)(٥) أي الأنف فعبّر باليد عن الجسد ، وبالأنف عن الوجه.
وقال الشاعر في امرأته :
لمّا رأيت أمرها في حطّي |
|
وفنكت في كذب ولطّ |
أخذت منها بقرون شمط |
|
فلم يزل ضربي بها ومعطي |
حتّى علا الرأس دم يغطّي (٦) |
فعبّر بلفظة «حطّي» عن جملة حروف أبجد.
ويقول القائل : (أب ت ث) وهو لا يريد هذه الأربعة الأحرف دون غيرها ، بل يريد جميعها ، وقرأت : الحمد لله ، وهو يريد جميع السورة ، ونحوها كثير.
وكذلك عبّر الله بهذه الحروف عن جملة حروف التهجّي ، والإشارة فيه : أنّ الله تعالى نبّه العرب وتحدّاهم ، فقال : إنّي قد نزّلت هذا الكتاب من جملة الثمانية والعشرين التي هي لغتكم ولسانكم ،
__________________
(١) وفي العبارة تشويش ظاهر ، ولعلّ الأصل : أنّ القرآن الذي عجزتم عن الإتيان بمثله مؤلّف من هذه الحروف الثمانية والعشرين ، التي تعرفونها. فجاء بنصف حروف التهجّي وهي بعضها اكتفاء بالبعض عن الكل.
(٢) المرسلات ٧٧ : ٤٨.
(٣) العلق ٩٦ : ١٩.
(٤) آل عمران ٣ : ١٨٢.
(٥) القلم ٦٨ : ١٦.
(٦) هي من الخماسيّات راجع : الطبري ١ : ١٣٢. ولسان العرب ١٠ : ٤٨٠. و «حطّي» بحاء مهملة ، ثانية جملات أبي جاد (أبجد ، حطّي ...).