وعليها مباني كلامكم ، فإن كان محمّد هو الذي يقوله من تلقاء نفسه ، فأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة مثله ، فلمّا عجزوا عن ذلك بعد الإجهاد ثبت أنّه معجزة.
هذا قول المبرّد وجماعة من أهل المعاني ، فإن قيل : فهل يكون حرفا واحدا عودا للمعنى؟ وهل تجدون في كلام العرب أن يقال : الم زيد قائم؟ وحم عمرو ذاهب؟ قلنا : نعم ، هذا عادة العرب يشيرون بلفظ واحد إلى جميع الحروف ويعبّرون به عنه. قال الراجز :
قلت لها : قفي قالت : قاف |
|
لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف (١) |
أي قف أنت. وأنشد سيبويه لغيلان :
نادوهم أن ألجموا ، ألا تا |
|
قالوا جميعا كلّهم : ألا فا (٢) |
أي ألا تركبون فقالوا : ألا فاركبوا. وأنشد قطرب في جارية :
قد وعدتني أمّ عمرو أن تا |
|
تدهن رأسي وتفلّيني تا |
أراد : أن تأتي وتمسح. (٣) وأنشد الزجّاج :
بالخير خيرات وإن شرّا «فا» |
|
ولا أريد الشرّ إلّا أن «تا» (٤) |
أراد بقوله (فا) : وإن شرّا فشرّ له ، وبقوله «تا» : إلّا أن تشاء.
قال الأخفش : هذه الحروف ساكنة لأنّ حروف الهجاء لا تعرب ، بل توقف على كلّ حرف على نيّة السكت ، ولا بدّ أن تفصل (٥) بالعدد في قولهم : واحد ـ إثنان ـ ثلاثة ـ أربعة. قال أبو النجم :
أقبلت من عند زياد كالخرف |
|
تخطّ رجلاي بخطّ مختلف |
وتكتبان في الطريق : لام الف (٦) |
فإذا أدخلت حرفا من حروف العطف حرّكتها.
وأنشد أبو عبيدة :
إذا اجتمعوا على ألف وواو |
|
وياء هاج بينهم جدال |
__________________
(١) شرح شافية ابن الحاجب ٤ : ٢٦٤.
(٢) المصدر.
(٣) لسان العرب ١ : ١٦٤ وفيه : تفلّيني وا.
(٤) المصدر ١٥ : ٢٨٨.
(٥) أي يوقف هنيهة قدر ما يميّز كلّ عدد من غيره. راجع : شرح الشافية ٢ : ٢١٥.
(٦) لسان العرب ٩ : ٦٢ ، «لام الف» فتح الميم ـ نقلا لحركة الهمزة إليها ـ وكسر لام الف ، بإسقاط الهمزة هكذا «لام لف» والمقصود : أنّ رجليه تخطّان على الأرض حرف «لا». وراجع : شرح الشافية ٢ : ٢٢٣.