الشامل لجلّ مسائل الخلاف فضلا عن كلّها ، فكيف العرض؟!
وقد اضطربت كلماتهم هنا ، حيث فرضوا المخالفة مع الكتاب إمّا بالتباين أو بالعموم من وجه أو بالعموم المطلق. أمّا الأخير فلا مخالفة ذاتيّا بعد إمكان الجمع عرفيّا بالحمل على التخصيص ، مثاله : قوله تعالى ـ بشأن المطلّقات ـ : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ)(١) ، المخصّص بما ثبت في الشريعة من اختصاص ذلك بالرجعيّات (٢).
وهكذا المخالفة بالعموم من وجه ، كما في قوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ)(٣) ، مع حديث «لا ضرر ولا ضرار» (٤) فيما إذا حاول الطبيب معالجة مريض ، لكن فرط منه ما أوجب تلفه أو نقصه ، من غير أن يكون عامدا ، فإنّ الآية تنفي ضمان خسارته ، لكونه محسنا وبصدد معالجته. أمّا حديث «لا ضرر» فيقضي بضمانه ، وإن لم يرتكب إثما.
وفي ذلك ينبغي اللجوء إلى ترجيح أحد الظاهرين على الآخر ، إمّا ترجيحا بمقتضى قوّة الدلالة أو بمرجّحات اخر ، وهنا كان الترجيح مع الحديث ، لما ورد مستفيضا من ضمان الطبيب ولو كان حاذقا (٥).
أمّا المخالفة بالتباين فلا مورد له ، بعد شعور الوضّاعين بعدم رواج أكاذيبهم ما لو كانت المخالفة صريحا مع ظاهر الكتاب.
فأين موضع عرض الأحاديث على كتاب الله ، ليعرف السقيم منها عن السليم ، بالخلاف أو الوفاق؟!
قلت : ليس الأمر كما ظنّ ، إذ لا يعقل أن يكذب أحد على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو أحد الصادقين عليهمالسلام كذبا صريحا ، بحيث يتخالف مع القرآن أو السنّة القويمة ، بشكل واضح ومبائن علنا ، إذ حيث ذاك تبدو سوأته على ملاء من الناس ويفضح من أساس.
لكنّه ـ عن خبث ـ يحاول تلبيس الأمر بحيث يمكن تعبيره على العامّة. أمّا الخاصّة فلا تشتبه عليهم التلبيسات ولا يمكن التعبير عليهم ، ما داموا أذكياء نبهاء ، يعرفون مراسي الشريعة ومبانيها القويمة ، ويقفون سدّا منيعا دون رسوب الأباطيل في الدين.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٢٨.
(٢) راجع : الجواهر ٣٢ : ١٧٩ فما بعد.
(٣) التوبة ٩ : ٩١.
(٤) مسند أحمد ٥ : ٣٢٧.
(٥) راجع : الوسائل ٢٩ : ٢٦٠ ، باب ٢٤ (ضمان الطبيب إذا لم يأخذ البراءة).