شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلّا فالذي جاءكم به أولى به» (١).
أي وجدتم له شاهدا يشهد بصدقه ، الأمر الذي يتنبّه له العارفون بمواضع كتاب الله وسنة نبيّه عرفانا شاملا وفي إحاطة بالغة.
[م / ٣٢١] جاء في حديث هشام عن الإمام الصادق عليهالسلام : «لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسنّة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة. قال : فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم. فإنّا إذا حدّثنا ، قلنا : قال الله عزوجل ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» (٢).
فجعل عليهالسلام المعيار لمعرفة السليم عن السقيم هو العرض على المعلوم من كتاب الله وسنة نبيّه.
وفيما رواه الشيخ أبو الفتوح الرازي المفسّر ، ما هو أجلى وأبين. قال :
[م / ٣٢٢] قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا أتاكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله وحجّة عقولكم» (٣).
فقد جعل صلىاللهعليهوآلهوسلم حجّة العقول إلى جنب كتاب الله ، معيارا للتمييز. والمراد : بداهة العقل الرشيد وضرورة الحكمة القويمة. ومن ثمّ :
[م / ٣٢٣] كان عبد الله بن عبّاس رحمهالله إذا حدّث قال : إذا سمعتموني أحدّث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم تجدوه في كتاب الله أو حسنا عند الناس ، فاعلموا أنّي قد كذبت عليه (٤).
فالشائع الذائع والمعلوم المعروف عن رسول الله ، هو المعيار لنبذ الشاذّ الزائف الذي لا يعضده المعقول المستحسن السائغ.
وعليه فليس المراد : الموافقة أو المخالفة الحرفية مع الكتاب ، وإنما هي مخالفة جوهريّة ، بحيث يتنافى وروح الإسلام النابضة في جميع تشريعاته وأحكامه وسننه ، الأمر الذي يمكن للفقيه الألمعي الاستشراف عليه بما أوتي من العلم بمواضع الدين وأسرار الشريعة.
فلو جاءت هناك رواية ـ مهما كانت أسانيدها ـ ولم تكن منسجمة مع طبيعة تشريعات الدين كتابا وسنة ، ولم تلتئم مع مزاج الشريعة الأصيل ، فلا محالة كانت باطلة يجب نبذها وضربها عرض الجدار. مثلا :
[م / ٣٢٤] ما ورد بشأن الأكراد وأنّهم حيّ من أحياء الجنّ ، كشف عنهم الغطاء ، فلا تخالطوهم
__________________
(١) المصدر : ٦٩ / ٢.
(٢) رجال الكشّي ٢ : ٤٨٩ / ٤٠١.
(٣) أبو الفتوح ٥ : ٣٦٨. ذيل الآية (٤٠) من سورة النساء.
(٤) الدارمي ١ : ١٤٦ ، باب تأويل حديث رسول الله.